كاتب سعودي
أبسط ما يمكن أن تفعله أن تضع رجلا على رجل وتصدر صكوك (التكفير) بحق هذا أو ذاك أو هؤلاء أو أولئك، فالأمر لا يتطلب أكثر من أن تنطق بكلمة الكفر ليصبح من اتهمته على المستوى الجماهيري كافرا يستحق ما يُفعل به حتى لو كان ذلك سحله أو قتله أو دفنه مع أسرته في قبر جماعي.!! هذا هو الحال الآن مع ماكينة التكفير التي تهدر في طول العالمين، العربي والإسلامي.
لم تعد تفاجئني على (تويتر) هذه الهاشتاقات التي تنقل تصريحات التكفير وتحكم على الآخرين بالمروق من الدين وترسلهم إلى النار بجرة لسان أو قلم. هي حالة طاغية يتنافس فيها كثيرون من المحرضين والمؤلبين والقتلة الذين يخترعون أدلتهم ويستندون إليها لتهديد أمن الناس وسلامتهم، خاصة أن طاسة (الوسطية) ضائعة في زحمة التزيد على ألوية هذا التكفير.
كنا نأمل، بعد ما شهدناه من روائح الدم والقبور في السنوات الأخيرة، أن يتنادى العقلاء لدحض هذه الموجة العارمة التي تسود حياتنا، لكن هذا الأمل خاب بعد أن تفرقت بهؤلاء العقلاء السبل وأصبحت صيحاتهم فردية تتفرق في أودية الإلغاء والتصنيف الواسعة والطافحة. وستبقى هذه الأصوات مشتتة وضائعة طالما أن المؤسسات الدينية الرسمية والأهلية، في كل العالم الإسلامي، لم تجتمع وتحسم أمر التكفير بين المذاهب والطوائف. وطالما أن الأنظار لم تلتفت، كما يجب، إلى أصوات المكفرين للجمها ودحر نفوذها وتأثيرها في أوساط العامة.
ومن المؤسف والمقلق في آن أن من بين هذه الأصوات، أي أصوات التكفير، أساتذة جامعات ومحسوبين على القطاعات التعليمية والتربوية في كل الدول العربية. وليس في الأفق، إلى هذه اللحظة، ما ينبئ بتنادي هذه القطاعات لتدارس مشكلة التطرف والإرهاب التي ينشأ أول ما تنشأ من زخم نصوص التكفير المجانية المرسلة عبر كل الوسائل.
هناك إما حالة يأس مما وصلنا إليه أو حالة كسل مزمنة في مواجهتها. وكلتا الحالتين ستفضيان بمجتمعاتنا إلى ما هو أسوأ مما هي فيه رغم عظم سوئه وسواده. ومرة أخرى، بعد مئات المرات، لا حل لتعطيل ماكينة التكفير إلا بالرجوع إلى أصول الدين التي يفهمها ويفقهها العلماء الحقيقيون الذين يحسبون أقوالهم وأفعالهم وتصريحاتهم بميزان الشرع والعدل. ولا أمل في القضاء على (فتنة) التنابز والتمايز إلا بفتح نوافذ الأفكار المستنيرة التي تقضي على شهوات التكفير التي يرتكبها المندسون من أنصاف الوعاظ.
المصدر: عكاظ