حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الجنائي - جامعة مانشستر عام 1996. خلال عامي 1997 و 1998عمل رئيساً لقسم المحليات في مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر. شغل منصب رئيس قسم البحوث والتخطيط بمؤسسة " البيان " للصحافة خلال الفترة من 1999الى 2002. من مؤلفاته: "في رحاب الإمام الشافعي" و "في رحاب الإمام أحمد" و"الخليج رؤى مستقبلية".
كيف يمكننا اليوم تفسير ما يحدث من اقتتال في بعض الدول العربية والإسلامية على أنه جهاد، يقع صاحبه شهيداً ويضمن موقعه في الجنّة.
إنَّ مفهوم الجهاد الشرعي قد أصابه الكثير من الخلل، لأن أصل الخروج إلى القتال يخضع لأمر الحاكم أو ولي الأمر، لأنه قضية سيادية غير خاضعة لاجتهاد الأفراد.
إنَّ ما يحصل حالياً، عندما يخرج (يهرب) الفرد من بلده إلى البلد الذي من وجهة نظره الخاصة الاقتتال فيه جهاد واجب، أي بمعنى فرض عين عليه، وفق ما تمت تغذية عقله به، فإنه بذلك يخترق كل الأنظمة والقوانين التي تحافظ على منظومة السلم بين الدول والمجتمعات. إنَّ ما نراه من صور الاقتتال في أفغانستان، وفي سوريا، والعراق، ولبنان، والصومال، وفي أفريقيا الوسطى، وفي البقع الساخنة الأخرى لا علاقة له بصورة الجهاد الذي كان سائداً في القرون السالفة.
فالجهاد تحوَّل إلى نمط من الإرهاب يقتل من خلاله المسلم أخاه المسلم تحت أي ذريعة كانت مرة يوصم بأنه من رجال السلطة، وأخرى خارج عن الملَّة، وثالثة هو ليس على رأي مخالفيه.
إنَّ منطق الجهاد ومفهومه غدا جزءاً من الفوضى غير الخلاقة التي تسود أكثر من ساحة مشتعلة وملطخة بدماء الأبرياء الذين ذهبوا ضحايا هذا النوع من الجهاد الذي تروج له الحركات الأصولية والمتطرفة باسم الدين وإعادة الخلافة الضائعة!
فإذا كانت هذه حصيلة الجهاد المزعوم، فإن للدول المتضررة من ذلك النهج في هروب أبنائها للقتال في مكان ما لا يسمع فيه غير دوي الرصاص وأزيز الطائرات وأصوات القنابل … إلخ، من حقها وضع القوانين التي تحافظ على مكانة وقوة نسيجها الأمني، لأن من هذا فعله -القتل والقتل المضاد- فالحيطة في عدم انتقال هذه العدوى إلى الدول الآمنة من أوجب الواجبات.
إنَّ الدول التي تعرضت لانتكاسات «الربيع العربي» غدت ساحة مفتوحة لممارسة كل أنواع الأفعال التي تجرمها القوانين الشرعية والدولية، وخاصة من قبل الأفراد العائدين لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية في بلدانهم الآمنة والمحصنة من لوثات ذلك «الربيع» الملوث.
كان الجهاد في القرون السالفة، وسيلة للدفاع عن النفس ولإعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها من المؤمنين وغيرهم من أهل الكتاب، إلا أن بعض التيارات التي تتمسح بالدين حولت الجهاد المحصن بتشريعات الإسلام المنيعة حتى لا يقع المحظور والمحرم باسمه أو من خلاله، إلى طريق مليء بأشلاء الجثث المفخخة والمتفحمة من جراء الانفجارات التي لا تعيد حقاً ولا تضع ميزاناً يعيد العدل إلى نصابه.
ويتجاهل «المجاهدون الجدد» وجود الجيوش التي تتكفل بكل مهام الأمن القومي والعالمي، إذا ما استدعت الظروف ذلك ولكن تحت إمرة قيادة سيادية وشرعية تملك القرارات التي توازن المصالح المعتبرة في حالة حدوث أي مواجهة بين الدول دون أن يستخدم في هذه الحالة الطارئة لفظ الجهاد المرتبط بالرعب والإرهاب كما يتداوله أصحاب الفكر المتطرف.
فالمساهمة والتعاون مع العالم أجمع في الحفاظ على السلم العالمي وعدم إشعال الساحات بالحروب والقتال البيني هو جهاد إيجابي واجتهاد في الدفع في حل الأزمات بدل التفرج عليها وهي تتفاقم.
أن نعيش زمن اختلاط المفاهيم وخاصة الشرعية منها والتي تعلق عليها شماعة الدين كلما دار نقاش أو جدال حولها، فمصطلح الجهاد تأثر بلوثات بعض القاصرة أفهامهم عن فهم وإدراك المتغيرات على الساحة الدولية.
فأي قانون يشرع للحفاظ على شبابنا من الضياع في حروب أهلية وفتن داخلية مطلوب في الوقت الراهن وجزء مهم من تقوية البعد الأمني ومتطلباته.
المصدر: الاتحاد