ترجمة: حسن عبده حسن عن «نيويورك تايمز»
في الساعات الأولى من صباح السبت قبل الماضي، كان الشرق الأوسط على شفا الوقوع في حرب أخرى. واستناداً إلى مصادري الرفيعة المستوى، فقد كانت المخابرات الإسرائيلية تقتفي أثر طائرة بدون طيار، أطلقها «لواء القدس»، التابع للحرس الثوري الإيراني، من مطار «ألتي فور» بوسط سورية.
وبعد مرور دقيقة ونصف على دخول الطائرة بدون طيار إلى الأجواء الإسرائيلية، قامت طائرة مروحية عسكرية بإسقاطها. وفي الوقت ذاته قامت ثماني طائرات مقاتلة، بإطلاق صواريخها على مركز التحكم والسيطرة، الذي كان يدير الطائرة في مطار «ألتي فور»، ودمرته بالكامل، وقتلت كل العاملين الإيرانيين فيه (أنكرت إيران أن الطائرة أُسقطت، أو أن جنودها قتلوا).
ورد الجيش السوري، المتحالف مع إيران، على الغارة الإسرائيلية بصواريخ أرض – جو، وتمكن من إسقاط إحداها، حيث تمكن الطياران من النجاة بعد القفز بمظلتيهما في الأراضي الإسرائيلية، وكانت جروح أحدهما خطيرة. بدورها، ردت إسرائيل على إسقاط طائرتها بقصف قواعد صواريخ سورية وإيرانية، وكانت تريد القيام بضربات أكثر عنفاً من ذلك، لولا اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأبلغه بغضبه لاحتمال تعرُّض الجنود الروس للضربات الإسرائيلية.
وأدان الروس، علناً، انتهاك السيادة السورية، دون ذكر للطائرة الإيرانية بدون طيار. وقال لي مسؤول إسرائيلي كبير: «كان بإمكان الروس منع الطائرة الإيرانية، لكنهم لم يفعلوا شيئاً، ونحن سمعنا رسالة الروس التي كانت عالية وواضحة»، وتم تجنب الحرب لكن لفترة مؤقتة، إذ إن جميع العوامل المتفجرة في الشرق الأوسط لاتزال موجودة.
وكانت إيران أول من سارع إلى مد يد العون للرئيس السوري بشار الأسد، وبفضل هذا العون لايزال نظام دمشق موجوداً. لكن إسرائيل توقعت، منذ وقت مبكر، أن هذه القوات ستتحول نحوها بعد الانتهاء من الموضوع السوري. وكان تنظيم «داعش» الإرهابي يعتبر مصدر الشر الرئيس في العالم في تلك الأيام، وكل من يحاربه يعتبرون من الطيبين.
لكن إسرائيل قامت بتوجيه ضربات صاروخية وغارات جوية عدة في سورية، ضد مستودعات الأسلحة في السابق، لكنّ السوريين والإيرانيين وحلفاءهم لم يردوا على تلك الضربات، لأنهم كانوا يدركون أن ذلك سيكلفهم خسائر فادحة. لكن بعد دخول القوات الروسية إلى سورية عام 2015، بات جلياً أن الولايات المتحدة لن تقوم بأي إجراء إزاء تحركات بوتين، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى أن تتواصل مع بوتين، لمنع وقوع صدامات بين قوات البلدين في سورية.
تنسيق تكتيكي
لكن ذلك التنسيق التكتيكي المحدود لم يجعل روسيا تفهم حاجات إسرائيل الاستراتيجية. ومع اقتراب نصر الأسد، أصبحت إسرائيل تطلب من روسيا أن تضمن لها مغادرة الإيرانيين سورية، حالما تنتهي الحرب. لكن طلبات إسرائيل قوبلت بعدم الاكتراث من موسكو. وكانت روسيا تريد أن تؤسس لها موطئ قدم في الشرق الأوسط، لذلك فإن مثل هذه السياسة تتطلب منها الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران.
وكانت إسرائيل قد طلبت من إدارة الرئيس دونالد ترامب، مرات عدة، أن تفعل شيئاً لمنع تدهور الوضع. وفي شهر أغسطس الماضي، زار واشنطن وفد من إسرائيل، بمن فيهم رئيس الموساد يوس كوهين، ورئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية هيرتزل هالفي، واجتمعوا مع مستشار ترامب للأمن القومي «إتش آر ماكماستر» وأبلغوه قلق إسرائيل من خطط إيرانية، و«حزب الله»، لمهاجمة إسرائيل على الحدود مع سورية. وأن «حزب الله» يؤسس لنفسه وجوداً عسكرياً مهماً في سورية، وإيران تخطط لإنشاء قاعدة بحرية على البحر المتوسط في مدينة طرطوس. وأبلغني أحد الذين حضروا الاجتماع بأن إسرائيل طلبت أن يتضمن أي اتفاق سلام في سورية خروج مسلحي «حزب الله»، والحرس الثوري الإيراني، من هذه الدولة. لكنّ الأميركيين لم يتفقوا مع الإسرائيليين، وأبلغني أحد المشاركين بالمفاوضات «نحن لم نفهم مطلقاً، ما الذي تريده هذه الإدارة. والحقيقة أننا لم نكن واثقين بأن محاورينا من الجانب الأميركي لا يدركون ما يريدون، أو ماذا أراد الرئيس منهم أن يفعلوا. وكان الشعور العام عبارة عن فوضى وتخبط».
وكانت الأحداث، التي وقعت يوم السبت الشهير، قد جعلت أمرين في منتهى الوضوح: الأول أن إسرائيل لم تعد قادرة على العمل في سورية دون قيود، إذ إن القوات المشتركة التي تعارض وجودها ستقوم بردة فعل قوية ضدها. والثاني أن روسيا أصبحت هي القوة المهيمنة في المنطقة.
رونين بريغمان : كاتب لـ «نيويورك تايمز ماغازين»
المصدر: الإمارات اليوم