كاتب سعودي
دون أن أثبت أن حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- هي حكومة شباب يكفي فقط أن ألقي نظرة على رئيسي المجلسين المعنيين بمعظم شؤون الدولة وأولوياتها وأقصد بذلك مجلس السياسة والأمن ومجلس التنمية والاقتصاد. الأول يرأسه رجل الأمن الفذ الأمير الشاب محمد بن نايف، والثاني يرأسه الأمير الطموح والشاب أيضاً محمد بن سلمان. وجود الشباب في مراكز القيادة خلف شخص الملك جديد علينا خصوصاً في العقود الأربعة الماضية وهو بالنسبة لي باعث كبير على التفاؤل. السبب بسيط وواضح، وهو أن الغالبية العظمى من سكان الوطن اليوم هم شباب، فإذا كان الشعب شاب والقيادات شابة فحتماً أن لغة التواصل ستصبح أسهل وأسرع وأكثر نفاذاً وفائدة في نفس الوقت.
وجود الشباب في مراكز صناعة القرار يعني أيضاً تطور طبيعي في الأخذ في نهج الإدارة الحديثة. لعل أهم ما نشير إليه في هذا الجانب هو معايير الإنتاج المرتبطة بآخر ما توصلت إليه علوم الإدارة. بتبسيط أكثر أتصور أن المهام التي ستطرح للمناقشات في جلسات هذين المجلسين والتوصيات والاعتمادات التي ستتبعها، وقد يرتقي بعضها إلى أوامر ملكية أو مراسيم أو قرارات وزارية ستخضع للتقييم الحديث بآلياته المتطورة وعندما لا يتحقق شيء، لا قدر الله، فسوف يكون هناك إجراء ومحاسبة للمتسبب في ذلك، وعندما يتحقق ما هو مطلوب فسيكون هناك تقدير وإشادة.
صحيح أنني هنا أفترض مجرد افتراضات، إذ لا يوجد عندي في حقيقة الأمر علم مؤكد في عمل وآلية هذه المجالس الجديدة، وما قد ينبثق عنها من فرق عمل، وهل سيؤخذ بمبدأ الثواب والعقاب، لكنها في نفس الوقت افتراضات بديهية عطفاً على الفكر الذي أتى بهذين المجلسين وألغى أكثر من ١٢ مجلساً سابقاً، لم نسمع عن إنجازاتها شيء. وعطفاً أيضاً على استماعي لحديث ذي صلة مباشرة بهذه المواضيع، وإن لم ندخل في تفاصيلها، مع الأمير محمد بن سلمان نفسه في جلسة عشاء خاصة، ومصغرة أثناء زيارة الملك سلمان – ولي العهد آنذاك – للصين.
التحديات التنموية أمامنا كبيرة وبالغة التعقيد وسأركز على ذلك لاهتمامي بهذا الموضوع أكثر من اهتمامي بمواضيع السياسة. المملكة وأقولها بلا تردد، تأخرت كثيراً في مواضيع التنمية الاقتصادية الحديثة المعنية ببناء الإنسان. اعتمدنا كثيراً على اليد العاملة الأجنبية، وإن كان ذلك في الأوقات الماضية ضرورياً بسبب الحاجة إلى الإسراع في تنفيذ العديد من المشاريع الضخمة في البنى التحتية، وسنستمر في الحاجة لهم اليوم وغداً، وإن بأعداد أقل كما آمل. ولا شك على الإطلاق بأن ارتفاع مداخيل المملكة من مبيعات النفط قد ساهمت بذلك أيضاً، إذ أنه من غير المعقول أن نؤخر بناء المشاريع بسبب غياب اليد العاملة الوطنية. الحقيقة الأخرى أنه، وباستثناء غياب هيبة القانون وتمرد البعض على الأنظمة المتوفرة، وهي من مسؤوليات جهات الضبط في الدولة، لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة لوحدها فالأسرة والبيت والمجتمع أيضاً مسؤول عن التخلف في بناء الفرد بالوعي والمسؤولية المطلوبين. فارتفاع مداخيل الأسرة في تلك الأزمنة وبشكل مفاجئ بعد السبعينات دفع بالكثيرين من شباب الوطن إلى الابتعاد عن عدد كبير من المهن الحرفية والخدمية. لذا نشأ جيل الثمانينات وهو غير محتاج حقيقة إلى العمل لتوفر الدعم من البيت. صاحب ذلك بالطبع بروز الصحوة الدينية التي وجد فيها الكثيرون من شبابنا وشاباتنا نوعاً من الشعور العظيم بالإنجاز الذي لا يحتاج إلا إلى الالتزام بالعبادات والظهور بمظهر الرجل المتدين. خطورة الشعور بالمنجز هي إنها قد تقنع الفرد (صاحب المنجز) بالتوقف عن البحث عن الإنجازات الأخرى التي ربما هي أهم من مجرد الظهور بهيئة الشخص «الملتزم» في مراحل بناء الأوطان.
نعم حدثت بعض الأزمات المرعبة، وكان أهمها برأيي غزو روسيا لأفغانستان وانخراط عدد لا بأس به من أبنائنا فيما يسمّى بـ«الجهاد»، ثم أتى غزو العراق للكويت، الذي كلف خزينة المملكة عشرات المليارات من الريالات، وهذه الأرقام كانت كبيرة في تلك الأوقات الأمر الذي دفع بنا إلى الاقتراض في السنوات اللاحقة لتغطية العجز، إذ تجاوزت تلك القروض موازنات الدولة لعدة أضعاف. حدث بعد ذلك تحسن في أسعار النفط، ثم أحداث سبتمبر المدوية، ثم هبوط آخر في الأسعار صاحبه كارثة كبرى في أسواق الأسهم السعودية، ثم ارتفاع هائل في سعر النفط استمر إلى ما قبل بضعة أشهر فقط، وتكونت لدينا بسبب ذلك سيولة نقدية ضخمة نعيش في ظلالها اليوم، وتمكنا من خلالها بسداد معظم تلك القروض ولله الحمد. في ذات الزمن ومنذ الطفرة الأولى ومعدل ارتفاع عدد السكان ينمو بأرقام فلكية وأذكر أن المملكة تصدرت دول العالم في هذا المؤشر لعدد من السنوات، بل إن مدينة الرياض هي الأخرى تصدرت مدن العالم في نسبة ارتفاع عدد السكان. مع ذلك لم يواكب هذه المتغيرات الكبيرة أي خطط متناسقة ومناسبة للتعامل معها. مثال على ذلك البطالة التي لم نمنحها الاهتمام اللازم إلا بعد أن أصبحت ظاهرة خطيرة ولا تزال حتى كتابة هذه السطور. اليوم سيواجه هذا المجلس الجديد مثل هذه التهديدات وكلي أمل وتطلع إلى وصول القائمين عليه إلى الحلول التي نتطلع إليها. هذا الموضوع تحديداً «البطالة» لا يتوقف عند مفهوم الرفاه والبحث عن رغد العيش، بل يتصل بالأمن الداخلي والسلم الاجتماعي. فكلما تناقص عدد العاطلين كلما ارتفع مستوى الطمأنينة والاستقرار وزاد حرص الناس على المحافظة على المكتسبات داخل الوطن والعكس صحيح.
من العوامل الأخرى المهمة في هذا المقام إعادة النظر في الآلية الاقتصادية التي تسير عليها بلادنا والاستعداد إلى الانتقال التدريجي لآليات جديدة ومختلفة كلياً من شأنها تنويع مصادر الدخل وزرع المسؤولية الجماعية بين الأفراد العاملين ورفع معدلات الإنتاج وتحسن جودته. على أن هذا الانتقال سيفرض وجود الأنظمة المدنية الحديثة وتطوير آليات التحاكم والدعاوى وتقنين القضاء بشكل عام والحاجة إلى رفع مستويات الوعي وصقل مدونات الحقوق الفردية المتعلقة بالأسرة والأفراد والعمالة والتوظيف.
مهام عظيمة وتحديات هائلة لا يمكن تحقيقها بجرة قلم. غير أن المؤكد وهذا ليس فقط شعور كاتب هذه الأسطر بل شعور الغالب الأعم ممن أتحدث لهم، أن الحكومة اليوم أصبحت أخف وزناً بكثير مما مضى ولهذا فتحركاتها وقراراتها ستكون أسهل وأسرع وأقوى. أهم ما يجب أن ننتبه إليه برأيي هو تهيئة الناس لما قد يستجد من أنظمة وتشريعات وتطوير. التغيير من مستوى متخلف نوعاً ما وفوضوي في الكثير من ممارساته في الأداء مع غياب شبه كامل للمحاسبة والمتابعة إلى مستويات جديدة ومعاصرة وصارمة يجب أن يخضع لعلم «التغيير» الإداري، وهذا في الحقيقة علم يدرس في الجامعات الغربية، وهناك مؤسسات عريقة في الغرب تعنى به. نعم قد نحتاج إلى حملات توعوية كبيرة تسبق بعض التشريعات المنتظرة تفادياً لوجود بعض حالات التصادم. هذه الحملات التوعوية هي الأخرى ستحتاج إلى أدوات إعلامية، وفي بعض الأوقات مواد مسرحية ساخرة لإيصال رسائلها.
الرسالة الأهم والأقوى ويجب التركيز عليها بنظري ولا يجب أن تغيب عن عقول أبناء الوطن من مسؤولين وشعب هي أننا في المملكة، ومنذ توحيدها أصبحنا ننعم بمكتسبات هائلة ومكانة عالمية مرموقة – عضوية العشرين – وموقعاً جغرافياً وروحياً للبلايين. مثل هذا الوطن الفتي قياساً بعمر الدول المتقدمة وبهذه المكتسبات الهائلة ومهما وقع من أخطاء أو قصور سواء في الماضي أو حتى في المستقبل، يستحق منا بذل الغالي والنفيس للمحافظة عليه والنهوض به. في نفس الوقت علينا عدم التردد أو القلق من مواجهة أي طرف أو أطراف من داخله ممن لا همّ لهم إلا خلق التناحر بين أبنائه من خلال إذكاء الطائفية البغيضة وهؤلاء لن ينفع معهم إلا تجريم هذه الأفعال ومعاقبتهم عليها تحت هذه المظلة أو أولئك المنشغلين مع الأسف الشديد وإن بمستويات متفاوتة بالتآمر مع الغير ضد مصالحه في خسة وخيانة وجحود لم أشاهد له مثيلاً في حياتي ومعاشي فوق هذه الأرض الغالية.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Fahad-Al-Dgheter