كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
حين حولوا مولود بريطانيا العظمى الجديد إلى حكاية إحصائية، قالوا: إن أكثر من خمسمئة صحفي اصطفوا على المدخل الرئيس للمشفى اللندني في انتظار السيدة “كت ميدلتون” وهي خارجة بمولودها للمرة الأولى في لقطة تاريخية.
تقول الأخبار أيضا إن “القابلة” التي خرج على يديها الجنين قد رفضت عرضا خرافيا من شبكة تلفزيونية للحديث مدة نصف ساعة بعد سويعات من الولادة، لأن “القابلة” قالت بحزم إن المهنة ليست للبيع. وحين سبحت ـ أمس ـ إلكترونيا في أخبار هذا الوليد الملكي البريطاني، وجدت آلاف الصفحات والعناوين، حتى أكاد أجزم بأن طبيعة الزمن، وثورة المعلومة، قد كتبتا عن هذا الوليد في اليوم الأول أكثر مما كُتب عن جدته الكبرى على رأس العرش، في الأربعين عاما الأولى من عمرها في زمن منقرض.
تحول الولد الصغير، بفضل الوقت وطبائعه، إلى “بزنس”: مراهنات على وزنه ولون شعره، ومراهنات أخرى، لا على مقاربات شبهه بأيٍ من والديه، بل على ملامحه، وهل تعود في شيء إلى جدته الأسطورية “الليدي ديانا سبنسر”.
يقال الآن إن ما يقرب من ملياري شخص حول العالم قد سمعوا بولادته، وإن مليار شخص قد استمع إلى الحدث في نشرة إخبارية، وإن نصف مليار إنسان تبادلوا صورته. وأنا اليوم أكتب مفارقات هذه الحياة في استقبال وليدين: واحد يشغل الدنيا، ويشتغل به هذا العالم، وآخر في العام ذاته، وُلد بالقصة التالية التي كنت شاهدها مع صديق: أمٌّ مجهولة على قارعة الطريق في غور عميق تطلب الماء بخوف ووجل، وهي تصارع الآلام، كي تغسل بهذا الماء وليدها المجهول القادم إلى هذا العالم الفسيح. ترفض حتى نقلها إلى مستوصف القرية المتواضع خوفا من الترحيل. كانت تقول إنها وحيدة، قبل أن تكتشف في طرف الوادي “ابنتين” تنتحبان بكاء، وعندما وصلهما صديقي كانتا تسألان: أذكر أم أنثى هذا المولود؟
كانت “شماغ” صديقي هي ثوب هذا الوليد القادم من المجهول إلى المجهول المخيف.
المصدر: الوطن أون لاين