تحظى منطقة الخان الأحمر، بحضور طاغ على مر التاريخ، باعتبارها الشريان الرئيس وشبه الوحيد، الذي يربط ما بين مناطق القدس المحتلة والضفة الغربية، بالضفة الشرقية لنهر الأردن عبر مدينة أريحا، والعالم العربي ككل، كما أنها تعتبر الدرع الواقية بمعركة تهويد القدس المحتلة، علاوة على كونها فصل من فصول ما تسمى «صفقة القرن» الهادفة لخلق أمر واقع جديد على الأرض، بما يخدم مشروع الاحتلال ورؤيته لقضية الحدود، لا سيما وأن منطقة الخان الأحمر، تصل كذلك إلى مناطق الأغوار الفلسطينية، التي تنهشها الأطماع الإسرائيلية ذاتها.
كل هذا وغيره، بوّأ منطقة الخان الأحمر منزلة عظيمة الشأن والقيمة، وأوجد لها موطئ قدم في شغاف وخلجات قلوب الفلسطينيين، الذين هبوا للدفاع عنها، فكان من الطبيعي والمنطقي أن تتفيأ معركة الخان الأحمر ظلال القدس، وتستلهم انتصاراتها، وهي تتصدى بكل بسالة وعنفوان لجبروت المحتل، وبالتالي فلا غرابة في أن تتبوّأ منطقة الخان الأحمر، هذه الهالة والمكانة، إذ أنها خط الدفاع عن درة وتاج المدن، القدس الشريف، مهوى الأفئدة ومهبط الأنبياء والرسل، والأقرب إلى السماء.
تطهير عرقي
في الخان الأحمر منازل بدائية، بل هي خيام و«بركسات» يلفها الصفيح كي يحولها إلى أفران مشتعلة، لا سيما وأن المنطقة تقع على مشارف الأغوار، التي عادة ما تكون ملتهبة في فصل الصيف.
في الخان الأحمر، تمنع قوات الاحتلال بناء المنازل، وتحظر تشييد المدارس والمراكز الصحية، لعيش سكانها شظف العيش دون مرافق، ودون ماء أو كهرباء، وحتى مدرستهم الوحيدة المبنية من الإطارات المطاطية والصفيح، تم هدمها أكثر من مرة، ومع ذلك فهم مصرّون على الصمود والبقاء.
في الخان الأحمر.. جنود مدججون بكل أنواع الأسلحة، يقابلهم أشبال وزهرات لم تشفع صرخاتهم لآبائهم وهم يُضرَبون، وأمهاتهم وهي تسحل على الأرض، لكن حب الدفاع عن «الخان» ينغرس ويتجذّر في نفوس هذه الأجيال الناشئة، ويغرس فيها قيماً وطنية سامية ونبيلة. ينتمي أهالي الخان الأحمر إلى عشيرتي «أبو دهوك» و«الجهالين» البدويتين، وقد ذاقوا مرارة التهجير من أراضيهم بالقوة العام 1948 خلال النكبة الفلسطينية، ويتعرضون هذه الأيام للتطهير العرقي بمعركتهم الجديدة، وتفرض عليهم سلطات الاحتلال مضايقات يومية وإجراءات عنصرية، لإجبارهم على الرحيل، لكنهم صامدون رغم سيل الدم، راسخون كالجبال الشم.
تمييز
وأكد مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، أن الهجمة الاحتلالية الشرسة على الخان الأحمر، تندرج في إطار حملة استيطانية إسرائيلية خطيرة، تستهدف تصفية (24) تجمعاً بدوياً، تنتشر في محيط القدس، وذلك ضمن سعيها لتطويق المدينة المقدسة، وعزلها بشكل كامل عن مناطق الضفة الغربية. ولفت البرغوثي في تصريحات لـ«البيان» إلى أن ما يجري في الخان الأحمر، من هدم للمنازل ومصادرة للأراضي، وتهجير للسكان، ما هو إلا عملية تطهير عرقي، تهدف لفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على هذه المنطقة، تمهيداً لضمها، الأمر الذي سيمهد الطريق لمزيد من الاستيطان في هذه المنطقة، وصولاً للمخطط الاحتلالي المعروف بـ«القدس الكبرى».
وبيّن البرغوثي، أن معركة الخان الأحمر، تحمل معها قضية القدس وما تحمله من رمزية لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين بوجه عام، باعتبارها خطاً أحمر، تجاوزته جرافات الاحتلال العسكرية.
مكانة سياسية
بدوره، يرى القيادي في الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا» رائد عبدالله، أن ما يتعرض له الخان الأحمر من محاولات ضم للأرض وتهجير للسكان، يستدعي تعزيز المقاومة الشعبية، للتصدي لكل محاولات الاحتلال، بالقضاء على الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة المستهدفة، لافتاً إلى أن الصمود البطولي للأهالي، سيفشل كل محاولات الترحيل والتهجير.
خط أحمر
وتبقى القدس محور الصراع، تماماً كما هي محوراً في الأفئدة والعقول بالنسبة للفلسطينيين، ومن خلفهم كل العرب والمسلمين.. هي القدس تختصر التاريخ والجغرافيا وتأبى الاستسلام، وترفض المس بحدودها الشرقية والغربية على حد سواء، هي إرادة صلبة لا تكسر، وقناة صمود لا تلين.. هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
مخطط ليكودي
اعتبر الكاتب الصحافي عبدالناصر النجار، أن سلطات الاحتلال بعدوانها على الخان الأحمر، فإنما تطلق الرصاصة القاتلة التي تستهدف الحدود، ضمن رؤيتها للحل النهائي في إطار «صفقة القرن»، معتبراً أن هذا الهجوم على الخان الأحمر، يأتي في إطار مخطط إسرائيلي للسيطرة على مناطق التجمعات الفلسطينية، أكان في الخان الأحمر، أو الأغوار. ولفت النجار، إلى أن ما يجري في الخان الأحمر، هو نتاج مخطط ليكودي احتلالي، يعود إلى سبعينيات القرن الماضي.
المصدر: البيان