كاتب إماراتي
توالى خلال الأسبوع الماضي حدثان مهمان يشيران إلى الفهم العميق لدول مجلس التعاون حول إعادة هيكلة علاقاتها الدولية، بما يتلاءم والتغيرات السريعة الجارية في بنية هذه العلاقات وتنامي القوة الاقتصادية والاستراتيجية لبعض الدول وتراجع البعض الآخر، جاء القرار الأول جريئاً من مجلس الوزراء في الدولة بالسماح للصينيين بالحصول على تأشيرة دخول عند وصولهم لمنافذ الدخول إلى دولة الإمارات، في حين وقّعت السعودية أكثر من إحدى عشرة اتفاقية مع الصين تتناول العديد من أوجه الاستثمار.
وإذا أضيف إلى ذلك حجم الاستثمارات الكبيرة للكويت وقطر وتوجه البحرين وعُمان للارتقاء بعلاقاتهما مع الصين إلى مستويات متقدمة، فإن العلاقات الخليجية- الصينية ستشهد نقلة نوعية في السنوات القادمة، علماً بأن الصين تُعتبر الشريك التجاري الأول لدول المجلس، وهي أكبر مستورد رئيسي للنفط والمنتجات البترولية الخليجية، والتي تنمو باطراد، فحجم التبادل التجاري بين دولتي الإمارات والصين على سبيل المثال ارتفع من 55 مليار دولار قبل عامين إلى 60 مليار دولار هذا العام، كما هو متوقع، في حين سيصل إلى 80 مليار دولار في عام 2018 وفق التوقعات الرسمية.
أما قرار مجلس الوزراء فستكون له بشكل خاص انعكاسات إيجابية كبيرة على تنشيط العديد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الدولة، فالصين تملك قدرات استثمارية هائلة ولديها توجه لتنويع هذه الاستثمارات في العالم، حيث تعتبر الآن أكبر مستثمر عقاري في أوروبا، وبالأخص في العاصمة البريطانية لندن، في الوقت الذي تعتبر فيه أكبر مستثمر في قطاع التعدين والثروات الطبيعية في أفريقيا.
لذلك يتوقع أن يؤدي الإجراء الجديد لمجلس الوزراء إلى تسهيل سفر الصينيين إلى مدن الدولة وجذب استثمارات كبيرة لمختلف القطاعات، بما فيها العقار والخدمات والبنية التحتية، وينشط من القطاع السياحي وينعش قطاع الطيران، خصوصاً أن العديد من المدن الصينية أضحت مرتبطة بخطوط مباشرة مع كل من أبوظبي ودبي، علماً بأن دولة الإمارات اكتسبت سمعة طيبة لدى السياح والمؤسسات السياحية الصينية، حيث تعود الذاكرة إلى ما قبل عامين عندما قررت إحدى الشركات الصينية مكافأة 16 ألفاً من موظفيها، وذلك بتنظيم رحلة سياحية لهم إلى دولة الإمارات.
ذلك يعني أن قرار التأشيرة ليس قراراً عادياً، إذ ستنجم عنه تغيرات نوعية في العلاقات بين دولة الإمارات والصين، فهو لا يعني فقط مسألة السفر من خلال تأشيرة فورية، وإنما هناك مستجدات اقتصادية وتجارية ستترتب عليه وسيستفيد منه قطاع الأعمال ليس في الدولة فحسب، وإنما في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، كما أن ذلك سيكون مفيداً للمستثمرين ورجال الأعمال الصينيين، وسيؤدي إلى تنشيط غير مسبوق للتنقل بين البلدين.
في الوقت نفسه لا نرى أي مبرر للتخوف على التركيبة السكانية، فالتأشيرة الفورية المقترحة في المطار لا تمنح القادمين حرية البقاء والعمل، وإنما فقط الزيارة لمدة محددة، كما هو الحال مع تلك الممنوحة منذ سنوات طويلة لمواطني الاتحاد الأوروبي، والتي لم تترتب عليها تلك المخاوف، علماً بأن مستويات المعيشة في الصين أصابها تغير نوعي، وارتفعت بصورة ملحوظة، وأتاحت للصينيين قدرات مالية حوّلتهم إلى أكبر جالية سياحية تجوب العالم.
الاقتصاد الصيني سيتحول بسرعة إلى أكبر اقتصاد عالمي مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية واستراتيجية وأمنية، وبالتالي على كل بلدان العالم الاستعداد لهذا التحول، ونسج تحالفات تستجيب لهذا التغيير، إذ يمكن في هذا الصدد أن تسعى دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الأمانة العامة إلى التحضير لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع الصين والهند، باعتبارهما أكبر شريكين تجاريين لدول المجلس ويستوردان ما يقارب 40% من المنتجات البتروكيماوية الخليجية، مما يعني التحضير لعلاقات مستقبلية طويلة المدى تعبر عن وتحمي مصالح الطرفين.
المصدر: الإتحاد