حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية جامعة تافت بولاية ماسيشوست عام 1978
تسعى دول الخليج العربية بشكل جاد لتنويع مصادر الدخل في بلدانها، فقد وضعت بعض هذه الدول خططًا طموحة جدًا في تنويع اقتصاداتها بحيث تكون لديها صناعات تنافسية ومراكز سياحية، وفتحت بلدانها على مصراعيها لاستقبال المستثمر الأجنبي.. حتى هذه اللحظة كل السياسات التي اتخذتها دول الخليج تتعلق بتخفيض الاستهلاك وفرض الرسوم والضرائب على الخدمات ورفع أسعار المشتقات البترولية وغيرها.. لكن يبقى السؤال: هل هذه السياسات ستحقق التنمية المنشودة لكل هذه الدول؟ التساؤل الثاني: ما طبيعة الاقتصاد الذي ستتبعه دول الخليج؟ هل سيكون اقتصادًا رأسماليًا حرًا تترك الدولة رعايتها وهيمنتها على الاقتصاد وتفتح المجال للقطاع الخاص ومبادراته الإبداعية في تنويع مصادر الدخل ويكون دور الدولة إشرافيًا، والتأكد من تحصيل الضرائب والرسوم؟
بما أن النموذج الاشتراكي فشل على مستوى العالم، فلا نتوقع أن تسير دول الخليج في المسار الاشتراكي، خصوصًا أنها جَرّبت مفهوم دولة الرعاية النفطية أكثر من نصف قرن، ولم تحقق ما تطمح إليه من تنمية حقيقية.
السؤال: هل لدينا الأسس الحقيقية لتحقيق التنمية المستقلة بوجود اقتصاد حقيقي منتج؟ لتحقيق هذا الهدف لدينا إشكالية حقيقية لأن «الثروة الحقيقية لأي بلد هي في أبنائها»، هذه العبارة يرددها القادة والمسؤولون لدينا على جميع المستويات.. لكي نحقق هدف الاقتصاد المنتج يجب أن يكون لدينا قوى بشرية متعلمة ومنتجة وخلاقة ومبدعة ومبادرة تخرج بمشاريع وأفكار جديدة لتأسيس شركات ومؤسسات جديدة توظف عمالة شابة جديدة.. وهذه القوى البشرية تدفع الضرائب والرسوم، وتعمل بجد للرقي بشأن البلد اقتصاديًا واجتماعيًا.
السؤال: من أين ستأتي الشركات الإنتاجية الجديدة؟ في الغرب تأتي هذه الشركات والمؤسسات المتنوعة من أفراد وشركات مبادرة لديهم أفكار مختلفة لخلق بضائع متنوعة جديدة يستفيد منها الجميع، وبذلك يتم تنويع الدخل.. فالشركات هي التي تقوم بتوظيف الأفراد وتدور عملية الاقتصاد بتنويع مصادر الدخل وتوظيف من يبحث عن عمل.
السؤال الذي علينا طرحه بجدية: من أين نأتي بالقوى البشرية المبدعة والمتعلمة والخلاقة؟ التجارب الغربية والآسيوية ركزت على التعليم الجيد والتدريب الذي تجريه بعض الدول الآسيوية في مجال التنمية ودخول عصر الحداثة، مما جعلهم يركزون على أوائل الطلبة في الثانوية العامة. وتقوم الدول بمنحهم امتيازات لدخول «كلية التربية»، وبعد التخرج في كلية التربية بدراسة مدتها أربع سنوات، يرغمون هؤلاء الطلاب التربويين على دراسة الماجستير في مجال التربية لمدة سنتين، وبعدها يتم توظيف هؤلاء المدرسين المتميزين في تدريس المرحلة الابتدائية. ويمنح هؤلاء المدرسون امتيازات تعادل من يدرس في كلية الطب لدينا. نحن المتخلفون في دول العالم الثالث آخر ما نهتم به تدريس الأطفال في المرحلة الابتدائية، حيث يتولى تدريسهم مدرسون معدلاتهم ضعيفة في الثانوية العامة.. وكل هم من يدخل كليات التربية في الخليج هو لتدريس المرحلة الابتدائية، لأن الراتب جيد والعطل المدرسية كثيرة.. ولا يتسع المجال هنا لذكر فشل التعليم التلقيني الذي يعتمد على الحفظ والتكرار بعيدًا عن الخلق والإبداع.
بدأت دول الخليج تقر وتعترف بأن التعليم لدينا فاشل، وهنالك محاولات لتحديث التعليم في بلداننا وهذا يتطلب وقتًا ومجهودًا جبارًا.
المصدر الآخر للحصول على القوى البشرية المؤهلة لإدارة التنمية هو تجنيس الكفاءات العلمية والأدبية ورجال الأعمال والفن والأدب والثقافة بشكل عام. وهذا الأسلوب اتبعته الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها.
إننا لا نبالغ إذا ذكرنا أن تقدم ورقي الولايات المتحدة وتبوؤها المركز الأول في الاقتصاد والصناعة والزراعة وغيرها يعود إلى سياسة التجنيس العقلانية التي اتخذها قادة هذه الدولة المؤسسون، ولا تزال الدول الغربية تجنس الكفاءات العربية وغيرها من أجل النهوض في بلدانهم.
تذكر الدراسات الغربية الحديثة أن 40 في المائة من الشركات الكبرى أسسها مهاجرون أو أبناؤهم، ونحن عرب الخليج فشلنا في سياسة التجنيس، لأننا اعتمدنا على أسس الولاء وأهملنا تجنيس الكفاءات العلمية والاقتصادية التي تفيد الاقتصاد. القانون الجديد الذي اقترحه أوباما هو منح إقامات للطلبة المتميزين من الأجانب، والهدف محاولة استقطابهم والاستفادة منهم.
ما نريد قوله ببساطة إن عملية تنويع الاقتصاد ليست سهلة، فهي تتطلب قوى بشرية مؤهلة وهذا ليس متوفرًا لدينا، والدليل على ذلك استمرار اعتمادنا على العمالة الأجنبية في كل المجالات حتى في تربية أبنائنا. نأمل أن تتخذ دول الخليج سياسات جادة في تطوير التعليم وتحديثه.
المصدر: الشرق الأوسط