ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي
أعترف أنني في تاريخ 28 – 7 – 1993 ذهبت باختياري إلى أكاديمية شرطة دبي لألتحق بالدفعة الخامسة من الطلبة المرشحين، حيث لم تمضِ لحظات من وصولنا إلا واختفى شعر الرأس واللحية بدون مقدمات، وكان اللون الأخضر قد طغى؛ حيث كان هو اللون الذي تم اعتماده للدفعة والذي بسببه تمت تسميتنا بدفعة «الجراد» وللتسمية أصل، حيث بمجرد دخولنا للمطعم لانبقي على أخضر ولا يابس!
في ذلك اليوم رأيت وجوهاً قد ألِفتُها منذ أيام المدرسة، ووجوهاً أخرى جديدة لم يسبق لي أن رأيتها من قبل، ورأيتُ وجوهاً من هنا وههنا، من البحرين وقطر وعمان والكويت، إنها أرواح إنسانية خالطتها، وقضيت معها أجمل الأوقات فأحببتها، وعشت بينها ومعها أربع سنوات، لم أعشها مع عائلتي.
بدأت فترة الحجز الإجبارية واستمرت 45 يوماً بالتمام والكمال، كانت مليئة بالضغط والتعب والضحك مع الألم، وكان معنا من لم يستطع التكيف والاحتمال فخرج، وهناك من صبر وصابر واحتمل وواصل، وكنت من هؤلاء، «فمنذ أول يوم وضعت هدفاً لنفسي بأن أستمر مهما حصل، لعلمي اليقين بأنها فرصة لاتتكرر مرتين، وبهذه القناعة أنا اليوم برتبة مقدم ودكتور، والتوفيق من الله والفضل لشرطة دبي». لحظات وذكريات رائعة قضيتها مع أحبة، تعلمت منهم الكثير كما علمتني العسكرية كيف أتكيف مع الظروف والملابسات والأحوال.
الأربعاء الماضي وبعد سنوات افتراق، اجتمعنا مجموعة كبيرة من «دفعة الجراد» في وليمة أخي الحبيب الشيخ محمد المعلا بمناسبة فوزه بجائزة دبي للأداء الحكومي المتميز، تجمعنا على خور دبي في المطعم العائم «سالوجة» لصاحبه سيف بن حارب، وكم أسعدنا تواجد الأخوين: صلاح الشطي من الكويت، وإبراهيم الذوادي من البحرين، في زيارة خاطفة لم تتجاوز الـ24 ساعة من أجل هذا اللقاء.
وهكذا أصبحت ذكريات ما قبل عشرين عاماً حاضرة، تذكرنا عندما سهرنا من بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر لملء «يواني» الرمل. وتجاذبنا أطراف الأحاديث حول ذلك اليوم الذي ازداد به طيشنا وحركاتنا، وعندما «تشيطنا بعض الشيء» فأوقفنا المدرب مشهور في حالة «تاهيه» وقال: «شوفوا .. امية عين بتبكي .. ولا عيني بتدمع ..!» وبدأت بعدها فقرة «التدبيل».
ولأننا دفعة أو دورة «جراد» فقد كان بعد عشاء المطعم عشاء آخر فاخر، كما هي العادة من كنتاكي أو كافتيريا كل وأشرب، طبعاً منه ما يصل إلى الأمعاء ومنه ما تكون ضريبته «الحجز». وتذكرنا ـ من بين الذكريات ـ يوم كنت في المطعم أتناول وجبة الغداء، وإذا بزميل جالس على طرف الطاولة يقول لزميله الجالس بالقرب منه: شوفوا «المظلوم» ياكل ولايمتن!» فكانت الضريبة يومين في المستشفى. كما تذكرنا طرائف سالم خادم وحارب الشامسي مع المدرب عبدالله سالم التي لاتعد ولاتحصى، وأيضاً الزميل صاحب الصوت الرخيم أحمد الشكيلي من عمان وهو يصلي بنا العشاء في السكن وكأننا نسمعه الآن. وكيف نستعيد شريطاً من الذكريات وننسى ذلك اليوم الحزين عندما وصلنا الأكاديمية (يوم الجمعة) بعد أن قضينا الإجازة مع الأهل، إذ نزل علينا خبر صاعق يحمل بين طياته نبأ وفاة نصيب المخيني وعلي العلوي في حادث سيارة وهما قادمان من عمان لدبي، فاختفت الكلمات وبدأت العبرات، ولم تمضِ أشهر حتى لحقهم ـ وفي حادث سيارة أيضاً ـ الحبيب سالم الجابر من قطر، بعدما كان ـ للتو ـ قد رزق بطفل جميل أسماه محمد. ولأن القلوب كانت رحيمة وطيبة لم تنصرم سوى أيام من تلك الحوادث حتى انتصبت أعمدة وبنيت مساجد في أندونيسيا يذكر فيها اسم الله إلى اليوم عن أرواحهم ـ رحمهم الله وجمعنا معهم في مستقر رحمته.
اجتمعنا الأربعاء الماضي وكان فينا الدكتور، والمدير، والقاضي، والمحامي، والإعلامي، والتاجر .. كان النجاح هو السمة البادية على محيّا الجميع، نعم كانت سيماهم في وجوههم ولله الحمد.
ولكن ـ أيها السادة ـ للحديث بقية، فقد بانت كروش البعض وضحك الشيب في رؤوس البعض الآخر، وأصبح ذلك الشاب اليافع زوجاً وأباً، لكن الأرواح المرحة لم تنلها يد التغيير والتعديل، إذ بقيت كما هي طريفة ظريفة خفيفة الظل. كان اجتماعاً رائعاً لطالما افتقدناه كما يفتقده الكثير.
نكبر وتزيد المسؤوليات حتى توشك أن تأخذنا في زحمتها لكن مثل هذه التجمعات السنوية تعود لتروي غراس الخضرة والإخاء والود، فتعزز التواصل وتضيء مصابيح الحب. إنها تجمعات محمودة، فما رأيك ـ أخي القارئ ـ أن تبادر فتنتهز مناسبة سعيدة تجمعك بمجموعتك ـ أيام زمان ـ في المدرسة أو الجامعة أو السفر، ممنْ قلّ التواصل معهم أو انقطع؟ فبادر واجمتع لتجد بهجتها ولذتها في حينها.
دفعتي الخضراء الغالية: ترقبوا ـ بإذن الله ـ تجمعاً قريباً يلم شمل من لم يحضر هذا اللقاء البهيج على مناسبة عزيزة، بدأنا نعد لها العدة فنسأل الله للجميع الحب والتوفيق.