الذكاء الاصطناعي والإرهاب غير التقليدي

آراء

هل سيصبح الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة والأسلحة البيولوجية وبرمجة العقول أهم الأدوات في ترسانة الإرهاب المستقبلية؟ وهل سيهجر الإرهابيون طرقهم التقليدية بلا رجعة؟ فمن غير المتوقع أن يضحّي الإرهابيون بحياتهم في العمليات المستقبلية بالكم المتعارف عليه في يومنا هذا لإيصال رسالة للآخرين، أو لتحقيق هدف ما من وراء إزهاق الأرواح والخروج عن القانون، أو إلحاق الأذى وإنزال الدمار والخراب بممتلكات الآخرين، ونشر الفوضى والرعب في المجتمعات البشرية، وسيلجأ الإرهابيون للبرمجة وتطوير الجيل القادم من الطائرات من دون طيار، أو المركبات ذاتيّة القيادة لسهولة الحصول على مكوناتها في الأسواق السوداء والأسواق الإلكترونية، أو إعادة تصنيع ما هو متوفّر بصورة اعتيادية في الأسواق والاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليصبحوا أكثر قوةً ودموية. 

فقد يكون أكبر الفائزين في سباق التسلّح غير المتكافئ هي الدول المارقة الصغيرة، والجهات والجماعات الفعّالة غير الحكومية مثل الإرهابيين والذين يمكنهم الوصول إلى هذه الأسلحة بسهولة، حيث إن تكلفة الطائرات الصغيرة القاتلة أكثر بقليل من ثمن الهاتف الذكي، ويمكن للقتلة المحتملين ببساطة تحميل صورة وعنوان المستهدف في الطائرة الصغيرة من دون طيار، وتحديد هوية الشخص والقضاء عليه وتدمير الطائرة لنفسها بعد العملية مباشرةً، كما يمكن استخدامها في الابتزاز والاختطاف، وما سيفعله الإرهابيون بالتكنولوجيا الناشئة ليس له حدود وخاصةً عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أرخص تكلفةّ ومتوفراً على نطاق واسع للجميع.

ومن جهة أخرى، يدق ناقوس الخطر من النمو السريع في جرائم الإنترنت التي تغذّيها التكنولوجيا كظهور مقاطع فيديو مزيفة عالية الجودة، وبرامج روبوتية ذكية يمكن استخدامها لمعالجة الأخبار والرأي العام ووسائل الإعلام الاجتماعية والانتخابات، مقابل الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي (AI) والروبوتات في مكافحة الجريمة والإرهاب وتعزيز الأمن، بالإضافة إلى التحديّات المختلفة التي تصاحب التطورات في هذه التقنيات، وفي الوقت نفسه يمكن لهذه التقنيات متعدّدة الاستخدامات أن تتيح تهديدات رقمية وجسدية وسياسية جديدة وجرائم جديدة مبتكرة تستخدمها الجماعات الإجرامية والمتطرّفة بشكل متزايد، حيث ستصبح هذه التقنيات أكثر سهولةً وانتشارًا في جميع أنحاء المجتمع، ومن المتوقع أن يشكّل الذكاء الاصطناعي تقريباً 14? من النمو الاقتصادي العالمي، و26? من النمو الاقتصادي الوطني للصين فقط، وهذه هي السرعة التي تنمو بها قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي.

و من جانب آخر، تبرز تقنية استخدام مقاطع فيديو مزيفة لشخصيات بارزة، وزعزعة الاستقرار النفسي للمجتمعات من خلال رسم الذوق العام للمجتمع والميول والأنماط التي يتقبّلها، والأمور التي يهّمشها والقضايا التي يلتفت إليها وتحديد هوية المجتمعات، وقد تمكنت المنظمات الإرهابية من استخدام الذكاء الاصطناعي لاستهداف الملفات الشخصية عبر الإنترنت للتجنيد.

ومن جانبها تستفيد الحكومات من الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإرهاب والتحقيقات الجنائية كاستخدام خصائص الهجمات السابقة، والتدريب على تحديد الإرهابيين في المناطق المزدحمة، وإدخال أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل أشرطة فيديو المراقبة في التحقيقات الجنائية، وتحديد الأشخاص المشتبه بهم الذين يستهدفون الأحداث الكبرى، وتحديد طراز السيارات وتحليل المعاملات المالية المشبوهة، والكشف تلقائيًا عن الأشخاص الذين يظهرون سلوكًا غير معتاد مثل زيارة موقع معين بشكل متكرر أو البقاء في مكان واحد، أو الأشياء المشبوهة التي تمّ التخلي عنها.

وتعدّ استخدامات الوسائط الاجتماعية والتشفير والطائرات من دون طيار نمطًا رئيسيًا نظرًا لتوفّر تقنية المستهلك على نطاق واسع، وبدلاً من الزناد يمكن أن تعزّز تطبيقات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي الأنشطة الإجرامية العنيفة وتجعلها أكثر جاذبية للجيل القادم، ولهذا تتجه الجماعات المتطرّفة في الوقت الحاضر إلى تجنيد الأطفال الذين يظهرون تفوقاً دراسياً ملحوظاً في المواد العلمية والتقنيّة، والتكنولوجيا والاتصالات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وهناك جيل من المؤثرين الإرهابيين قادم كنمط جديد سيظهر عمّا قريب، يستغل وسائل التواصل الاجتماعي وخاصةً التطبيقات المستخدمة في الهواتف الذكية للوصول للمستهدفين، ويستغل أيضاً سهولة إيصال الرسائل المشفّرة باستخدام لغة حوار اخترعها الإرهابيون لتوصيل رسائلهم، والتي تبدو للوهلة الأولى أنها مجرد كلام وتصرفات عابرة لا تعني شيئاً البتة.

والتحدي الكبير فيما هو قادم يكمن في كسب رهان الحد من تسخير الذكاء الاصطناعي كوسيلة فعّالة في عالم الجريمة المنظّمة والإرهاب، وإثارة النزاعات وإحداث الصدع في وحدة المجتمع وضرب القيم والمرتكزات الرئيسية للقيم الكبرى الجامعة لأفراد المجتمع الواحد.

المصدر: الاتحاد