فتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نفسه صندوق «باندورا» عندما قال لقناة «فوكس» الإخبارية عشية «السوبر بول» إنه ينام ما بين 4 إلى خمس ساعات في اليوم، حيث قال الرجل الذي يبلغ من العمر 70 عاما: «أنا عادة أعمل حتى منتصف الليل أو الواحدة صباحا، ثم أستيقظ في الخامسة لتناول الطعام وقراءة الصحف ومشاهدة التلفزيون»، وهو ما أكد الأقاويل التي كانت تتداول بكثافة تعليقاً على تغريدات الرئيس التي ما إن تنتهي برامج «التوك شو» الإخبارية في الفترة الصباحية لتنهمر بعدها «سقسقات» ترامب على «تويتر» مثل المطر يهاجم فيها ما يقال عنه في الصحف والبرامج الاخبارية، وهو ما حدا بالكاتب الامريكي الألمعي جون كاسيدي من صحيفة «نيويوركر» لكتابة تقريره الذي حمل عنوان «ترامب رئيس تلفزيون الواقع»، والذي احدث ضجة كبرى أول امس عندما سلط الضوء على إدمان الرئيس ووقوعه في حبائل قنوات «الكابل» الإخبارية.
يقول كاسيدي انه بينما كان جو سكاربورو يقدم برنامجه بين السادسة والسابعة صباحا ويستعرض التقارير التي تشير إلى ان ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين في إدارة ترامب، هو العقل المدبر الحقيقي لسياسة البيت الأبيض، وقام بعرض غلاف عدد مجلة «تايم» لذاك الأسبوع الذي حمل صورة بانون متبوعة بعنوان «The Great Manipulator»، (أو «المتلاعب العظيم)، في اشارة إلى سيطرة بانون على الرئيس وعلى سياسات البيت الأبيض. وقال سكاربورو في نهاية البرنامج «لا أعلم، ربما يتخذ بانون جميع القرارات بالفعل، لكني ما زلت لا أعتقد ذلك».
وفي الساعة السابعة وتسع دقائق أي بعد انتهاء البرنامج بقليل غرد ترامب قائلاً: «أتّخذُ قراراتي بنفسي، وتعتمد تلك القرارات بشكل أساسي على جمع البيانات، هذا ما يعلمه الجميع وتكذب بعض وسائل إعلام الأخبار الزائفة بهذا الشأن بهدف تهميش دوري».
وهو الأمر الذي أدهش جميع العاملين في دنيا الإعلام لسرعة استجابة ترامب لما يقال عنه في الاخبار ليسارع براد جافٍ، محرر الاخبار بقناة «ان بي سي»، للتغريد بالقول: أنّ الفقرة المذكورة من برنامج «مورنينغ ويز جو» ربما تكون قد أثارت هياج ترامب هكذا.
ولطالما عُرف ترامب بكونه مدمناً لقنوات الكابل الإخبارية. حتى أنه في الآونة الأخيرة، باتت محاولة ربط تغريداته الغاضبة بفقرة معينة في برنامج إخباري ما، أشبه بلعبة تتداولها الأوساط الإعلامية.
وكانت صحيفة «الغارديان» تناولت إدمان ترامب على ذلك مشيرة إلى ان الرئيس منذ انتقل إلى البيت الأبيض، اعتاد أن ينشر أولى تغريداته بحماس لمتابعيه البالغ عددهم 22 مليون مستخدم كل يوم في الساعة 6.04 و6.11 و6.38 و6.53، و7.10 و7.35 صباحاً. وكتبت: يستيقظ ترامب قبل السادسة،، ويشاهد التلفاز في غرفته، ثم لاحقاً في إحدى غرف الطعام الصغيرة في الجناح الغربي. وتبدو الشبكات المفضلة لديه هي فوكس نيوز وMSNBC، خاصة برنامج «الصباح مع جو»، الذي يقدمه جو سكاربورو وميكا بريززنسكي، اللذان يحادثهما ترامب في كثير من الأحيان.
ولفهم حقيقة تفسير عاصفة تغريدات وبيانات ترامب المثيرة للأعصاب التي يصدرها على مدار اليوم علينا النظر في المقال الضجة الذي سطره الصحفيان ماغي هابرمان وغلين ثراش في صحيفة «نيويورك تايمز» الاثنين الماضي والذي كشفا من خلاله أن ترامب يشاهد قنوات الكابل الإخبارية لوقتٍ طويل يمتد لما بعد وقت الإفطار، وعكس التقرير حالة فوضوية يعيش فيها البيت الأبيض، وانه«استبدل شاشة التلفزيون المسطّحة والموجودة بغرفة الطعام الخاصة، ليتمكّن من مشاهدة الأخبار أثناء تناوله الغداء». وانه يقضي الليل كله في مشاهدة الاخبار بمفرده في سكنه بالبيت الابيض. وقال الصحفيان «مع بقاء زوجته ميلانيا وابنه الأصغر بارون في نيويورك، يظل الرئيس وحيداً معظم الوقت، وأحياناً يكون معاونه القديم ومدير أمنه السابق، كيث شيلر، برفقته». وعندما لا يقضي ترامب وقته في مشاهدة التلفزيون وهو يرتدي رداء الحمام «يسارع ليمطر «نيويورك تايمز» والإعلام الامريكي بتغريداته المنتقدة لها. ويوم الاثنين قال ترامب مغردا: «عندما ألقي نظرة على التلفزيون أرى الكذب البواح… وأنا أسميها كما تعلمون، أخبار وهمية… وهو مستوى من خيانة الأمانة، حيث إنها تأخذ القصة التي ينبغي أن تكون جيدة، وأنا أعلم الجيد من السيئ. وتحول الجيد إلى سيئ، ويقولون هذا سيكون لطيفا للقراء، وأنا هنا أقول «قف».. إنها أخبار وهمية».
لكنه مع ذلك اكد إدمانه على مطالعة الصحف والتلفاز عندما شرح برنامجه بالقول «بينما أتناول الإفطار (لحم الخنزير المقدد والبيض أو الحبوب) أقرأ الصحف، وأرى ما يحدث على شاشة التلفزيون». وعن تبريره لعدم نومه ساعات تتناسب مع عمره يقول انه في بداية رئاسته فوجئ بحجم الاشياء الكبيرة التي تنتظره وحاجته لوقت اكبر للقيام بما يتعين عليه فعله: «أنت تعرف، أنا لست نواماً كبيراً. أنا أحب (النوم) ثلاث ساعات، أو أربع ساعات.. أريد معرفة ما يجري «. بينما فضل السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، شون سبايسر، تجاهل الكثير من النقاط التي أوردها تقرير«نيويورك تايمز» عن دوران الرئيس في فلك الإعلام وعلَّق بشكل خاص على ارتداء ترامب روب الحمام اثناء مشاهدة الاخبار، وقال إنه «مثال للأخبار الوهمية»، مضيفاً «أنا لا أعتقد أن الرئيس يملك رداء حمام. فهو بالتأكيد لا يرتدي مثل ذلك الرداء». وقال إن القصة كانت «مليئة بالعديد من المغالطات والأكاذيب» وإن «نيويورك تايمز» تدين لترامب باعتذار.
لكن كاسيدي في «نيويوركر» له تفسير آخر إذ يرى أن الأمر يعود إلى ان ترامب صاحب التاريخ الطويل في «برامج الواقع» والمدمن السابق لبرامج الاخبار إنَّه قد يكون «رئيساً لتلفزيون الواقع». لكنه في الحقيقة أصبح «رئيساً للواقع التلفزيوني»، مقيم بالبيت الأبيض ومحاصر في عالم قنوات الكابل الإخبارية، حيث تأتي كل دقيقة ب«خبر عاجل»، وحيث تتحول كل مشكلة إلى كارثة، وكل شهقة إلى أزمة، وكل انتقادٍ للرئيس، في نظره، إلى محاولةٍ لتشويه سمعته.
قال المذيع هاورد ستيرن صديق ترامب القديم الأسبوع الماضي على خلفية تراكم الانتقادات الموجهة لصديقه: «سيكون هذا مؤذياً لصحته العقلية.. لأنه يريد أن يعجَب الناس به، ويريد أن يكون محبوباً، ويريد أن يهلّل الناس له. لا أظن أن تلك ستكون تجربة صحية بالنسبة له». ونصحه بالابتعاد قليلاً عن قنوات الكابل الإخبارية، وقراءة التقارير الرسمية في المقابل، والاستعانة ببعض الخبراء لمساعدته في القضايا والسياسات المطروحة،خاصة ان كل رؤساء العالم يفضلون تجاهل ملاحقة الاخبار اليومية على القنوات الفضائية، ويستمعون إلى موجز مختصر من مساعديهم وتوجيههم بالرد على ما يستحق.
المصدر: الخليج