كاتب وإعلامي سعودي
«الرقص مع الذئاب» فيلم أميركي أنتج عام 1990، وتدور قصته عن أحداث الحرب الأهلية في أميركا، وما قام به الرجل الأبيض من محاولات للسيطرة على السكان الأصليين من هنود القارة الأميركية.
أما رقصتنا مع الذئاب البشرية في مجتمعنا، تجاه مظاهر الفرح وحب الحياة والتعبير الإنساني بأشكاله المتعددة، فمصيره الإقصاء والتحريم من جماعات متشددة دينياً، وتحاول أن تملي وتعمم رؤيتها تلك على مجتمعنا بأكمله.
في حال ما جرى في أحد مدن المملكة، من مجموعة من الفتيات الصغيرات عبَّرن عن فرحهن بأداء حركات استعراضية، خرجت علينا بعض الأصوات تتوعد وتهدد بأنه ستتم محاسبة من قاموا على تلك الفعالية، وقد لا أبالغ إذا قلت إن من يعارضون رقص الصغيرات البريئات قد يكونون ينطلقون من مفاهيم لها علاقة بالعادات والتقاليد المحلية أكثر من أن تكون القضية دينية بحتة.
فهناك قضايا خلافية في ديننا الإسلامي، ومنها قضية مشاركة الطفلات بالفرح والرقص، وكلنا يتذكر مظاهر الفرح في أعراسنا ومناسباتنا الاجتماعية، ولكن يبدو أن ما مر به المجتمع السعودي خلال فترة ما يسمى «الصحوة» قد استطاع أن يكبل المجتمع نحو التغير الاجتماعي الطبيعي والانطلاق نحو الحداثة والتحديث على عقلية الإنسان المحلي.
مظاهر التشدد الديني لدى بعضنا هي البداية الفعلية للإرهاب الفكري في مجتمعنا، والذي قد يقود إلى الإرهاب الفعلي، كما نشاهد اليوم، فنحن في أزمة فكر منغلق ومستغل للدين.
فكما نلحظ أن بعض المؤدين لهذه الأطروحات الاجتماعية المتشددة لا يعارضون الرقص والفنون في دول إسلامية أخرى، كله بسبب الأهواء السياسية وللأسف، ونجدهم في الداخل ضد أي تطور وانفتاح اجتماعي.
إننا نعيش أزمات وحروباً فكرية متتالية في مجتمعنا، تصرفنا عن العمل والإنتاج والمشاركة مع المجتمعات الأخرى في الحضارة الإنسانية، وللأسف أن الدين مستغل ومستخدم من بعض هؤلاء للقمع الاجتماعي، وكأن الفنون والموسيقى هي بدعة لدينا، ولسنا نحبها ونعشقها كما كل شعوب الأرض. الغريب أن التاريخ الإسلامي الذي نتغنى بأمجاده وفتوحاته وانفتاحه العلمي والثقافي على الشعوب الأخرى كان زاخراً بالموسيقى والرقص، فمجالس الخلفاء في العصور الأُموية والعباسية ودولة الخلاقة العثمانية كان ينشد ويعزف بها أرق وأطرب الألحان، وتراثنا الموسيقي العربي الأندلسي شاهد على ذلك.
إن الهجمة العنيفة على ما جرى في أحد الفعاليات من رقص صغيرات قد يكون له علاقة مباشرة بالتأزم الاجتماعي القسري في العلاقة بين المرأة والرجل في مجتمعنا، جرَّاء الفصل بين الجنسين، وتطويع فتوى الاختلاط بحسب أهواء بعضهم.
قد أقول إن هذا العزل اختزل المرأة في مجتمعنا كقيمة جسدية فقط، ينظر إليها شريحة من المتشددين على أنها أداة لإشباع الغريزة الجنسية فقط، والرجل من ناحية أخرى يعاني من الكبت العاطفي والجنسي، لذا ينظر إلى أي امرأة تعبر عن فرحها بأنها مدعاة إلى الفتنة، والقضية في الأساس هي ما يشعر به ذلك الرجل المأزوم اجتماعياً وجنسياً.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel