كاتب سعودي
لا شك أن المملكة تلعب درواً محورياً في منطقة الشرق الأوسط، أملته عوامل عدة، جعلت منها الدولة المؤهلة للعب لهذا الدور؛ فالاستقرار السياسي الذي تتمتع به السعودية، والمكانة السياسية الدولية، وتأثيرها الاقتصادي في المستوى الإقليمي والدولي، وكذلك تأثيرها الروحي من خلال احتضانها للمقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، كل هذه العوامل جعلت منها الدولة المحورية في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما بعد اندلاع ما يسمى «ثورات الربيع العربي»، التي أثرت سلباً في دول عربية، ومزقت بنيتها الاجتماعية والسياسية، وأضعفت مواردها الاقتصادية، حتى إن بعضها أصبح مهدداً بالتقسيم، إن لم توجد معالجات سياسية عاجلة لها.
منذ اندلاع ما كان يسمى «ثورات الربيع العربي» حاولت السعودية أن تجنب المنطقة والعديد من دولها تأثيرات تلك الثورات أو الاحتجاجات، من خلال محاولة منع التدخل الإقليمي والدولي في الشؤون العربية الداخلية، ولاسيما التدخل الإيراني، وقد نجحت مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبدعم من الأمم المتحدة بصياغة المبادرة الخليجية في اليمن، إذ تنازل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لنائبه عبدربه منصور هادي، لكن التدخل الإيراني ومن خلال جماعة الحوثي، حاول الالتفاف على المبادرة الخليجية وتقويضها، وبالتحالف مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتحول اليمن اليوم وبسبب التدخل الإيراني الفاضح والواضح إلى فوضى وعدم استقرار، حتى إن الحكومة والرئيس أصبحوا تحت الإقامة الجبرية، غير أن الرئيس استطاع أن يؤمِّن خروجه إلى عدن، ليمارس من هناك أعماله الرئاسية، وفاضحاً الدور الإيراني، ونوايا جماعة الحوثي تجاه المنطقة واليمن.
لقد تحولت الرياض في الأيام الأخيرة إلى ملتقى ووجهة للعديد من قادة العالم، ملوكاً ورؤساء وأمراء ورؤساء وزراء، فوصلها كل من ملك الأردن وملك البحرين والرئيس السيسي والرئيس التركي وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي ورئيسة وزراء كوريا، وهذه دلالة كبيرة جداً على أن الرياض تلعب دوراً مهماً في هذه الأيام؛ لحل أزمة المنطقة بشكل يحميها من التدخل والتفكك، ولاسيما أن الأوضاع في اليمن وسورية والعراق وليبيا أصبحت في غاية التأزم والتعقيد، فهذه الدول مهددة بشكل كبير في كياناتها وبقائها كدول، ومهددة شعوبها بالتفكك الاجتماعي بسبب للصراعات بين مكوناتها، وهو ما يهدد المنطقة برمتها، بعدم الاستقرار والفوضى، وهو ما تسعى إليه بعض القوى الإقليمية والدولية الطامعة في المنطقة، وهذا ما جعل السعودية تقوم بدور محوري لمنع التدهور والتأزم في المنطقة العربية، واستثمار علاقاتها السياسية والاقتصادية، وتأثيرها في المنظومة الإقليمية والدولية، للدفع نحو إيجاد حلول لأزمات المنطقة العربية، التي أصبحت مسرحاً للتطرف والإرهاب، تغذية التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.
إن الدور السعودي البنّاء في لمِّ الشمل العربي، ومحاولة حل قضايا المنطقة، هو دور مستمر وعلى جميع المستويات العربية والإسلامية وحتى الدولية، فالسعودية كان لها دور بنّاء في حل الخلافات الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وحاولت جاهدة جمع الفرقاء الفلسطينيين في مكة، وكذلك قامت بالدور نفسه مع الفرقاء اللبنانيين، وفي العراق واليمن وكذلك بين الجزائر والمغرب.
إن الزيارات المتتابعة للعديد من قادة دول المنطقة والعالم إلى الرياض، هو دليل قاطع على الدور الكبير الذي تلعبه المملكة في المرحلة الراهنة، فيرى محللون ومراقبون أن تزامن هذه الزيارات، وتتابعها، ولاسيما زيارات قادة مصر وتركيا وقطر، وخلال فترة قصيرة تفصل بين زياراتهم، هو مؤشر على قيام السعودية بدور وساطة وتقريب وجهات نظر بين الدول الثلاث، وما يساعد الرياض على القيام بهذا الدور هو احتفاظ السعودية بعلاقات متوازنة مع جميع الأطراف والأشقاء، المبنية على الحكمة السياسية وبعد النظر، وتغليب مصلحة العالمين العربي والإسلامي على المصالح القصيرة، أو الانخراط في التحالفات الضيقة التي تعتمد على مصالح آنية.
أما على المستوى الدولي، فهي من أوائل الدول التي انخرطت في محاربة التطرف والإرهاب، فأسهمت مالياً في إنشاء مركز لحوار الأديان بإشراف الأمم المتحدة، وكذلك كانت أول دولة عقدت على أرضها مؤتمراً دولياً لمحاربة الإرهاب وتعريفه، وكذلك هي من أوائل الدول التي انضمت إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، هذا الدور أملته المكانة التي تحتلها السعودية، والسياسية التي تتبعه، فمن الملاحظ أن الرياض ومنذ دخولا المنطقة في دوامة العنف والإرهاب، والرياض هي الوجهة الرئيسة لمعظم قادة العالم، بحثاً عن حلول تساعد على استقرار المنطقة، واحتواء ظاهرة التطرف والإرهاب وحماية المنطقة وشعوبها من التفكك والتمزق، إذ إن تهديد التطرف والإرهاب أصبح عابراً للحدود، فقد حذرت منه المملكة منذ البداية، وقالت إنه لن يقف عند حدود دولة، بل سيصل إلى جميع الدول وبلا استثناء، وهو ما حصل فعلاً، فقد ضرب الإرهاب أوروبا فأحداث باريس وبروكسل هي أكبر دليل على رؤية المملكة الثاقبة حول خطر الإرهاب.
كما أن توصيف ورؤية السعودية بالنسبة إلى تهديد التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية والمستفيدة من آثار «الربيع العربي»، لا تقل خطراً عن تهديد الإرهاب، فهي من تغذي التطرف والإرهاب، ويكون وجود الإرهاب والتطرف مبرراً لتدخلها، بل إن بعض الدول تغذّي هذا التطرف للوصول إلى تحقيق ما تستطيع تحقيقه من أهدافها، ومن تفتيت للمنظومة العربية، كالدعم الإيراني للحوثيين في اليمن والذي أصبح علناً، فالاتفاق على تسيير رحلتين للخطوط الإيرانية من طهران إلى صنعاء يومياً والعكس تحمل في ثناياها العديد من المعطيات، منها هي أن الاتفاق تم بين جماعة ودولة، وهو مؤشر خطير جداً، وتشجيع لتفكك المجتمع اليمني، الذي منذ فترة، وهو يعاني من عدم الاستقرار والفوضى.
ومن خلال ما تقدم يبرز الدور السعودي الريادي لقيادة المرحلة الحالية والمقبلة في المنطقة، والواضح في تعاملها مع الأحداث الراهنة التي تستوجب محاربة التطرف والإرهاب الدولي، وحل الخلافات في المنطقة ورأب الصدع في البيت العربي.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ali-Al-Anzi/7865263