تهتم و تعمل في مجال الطاقة المتجددة والبيئة في بروكسل/ بلجيكا. بالاضافة الى البيئة تهتم بالسلام بين الأديان و الثقافات و لن يكون ذلك مستحيلا إذا تحققت الإرادة و العدالة.
في دراسة عن استهلاك الماء في السعودية، لفت نظري بل فاجأني نسبة استخدام المياه المحلاة في المجال الزراعي في السعودية إذ أن هذه النسبة تتجاوز 80 بالمائة. هناك عدة أسئلة سأطرحها اليوم، وليس بالضرورة أن أجيب عليها لكن هي دعوة للتأمل.
أولى الأسئلة هل الغذاء أهم من الماء أم العكس؟ هذا السؤال قد لا يطرح في كندا وفيتنام لكن يجب أن يُطرح في البلدان الشحيحة بالمياه العذبة.
رغبة السعودية بالحصول على الاكتفاء الذاتي الغذائي رغبة شرعية. لكن إذا كان هذا الاكتفاء الذاتي سيولد مشاكل بيئية واقتصادية على المدى القصير، فهنا علينا التوقف قليلا والتفكير كثيرا لتحليل هذه الاستراتيجية الزراعية.
هل السعودية بلد زراعي؟
بذلت السعودية مجهوداً كبيراً في تأمين الغذاء لسكانها. في كل مرة تصطدم الخطط الزراعية بحقيقة لا يمكن إغفالها: كيف يمكن دعم القطاع الزراعي دون وجود الأمطار أو الأنهار؟ لفترة طويلة كان الجواب يكمن في تحلية مياه البحر. هذه التقنية وإن لبّت احتياجات عديدة إلا أنها تبقى تقنية علينا استخدامها دون إسراف. فعند تحلية مياه البحر، عادة ما يتم إعادة هذه الأملاح إلى البحر مما يؤدي إلى زيادة الملوحة وهذا بدوره يقضي تدريجيا على الحياة البحرية. إضافة إلى أن تحلية المياه تحتاج إلى طاقة كهر بائية عالية.
حين يكون الماء العذب غير متوفر إلا بنسب قليلة، فهنا يجب ترتيب الأوليات. فقبل أن تُسقى الأرض، يجب ريّ عطش السكان. وهنا أرى أن المياه المحلاة يجب أن يقتصر استخدامها على الشرب وليس لري المساحات الزراعية.
الاستثمار السعودي الزراعي في الخارج: استعمار زراعي؟
قد تكون مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج محاولة لتحقيق الأمن الغذائي في المملكة. هذا النوع من الاستثمار في الأراضي الزراعية يُتابع بقلق على الساحة الدولية. فالمنظمات غير الحكومية ترى في هذا النوع من الاستثمار “استيلاء على الأراضي الزراعية” وهناك من يعتبر هذا الاستثمار نوعا من الاستعمار الزراعي. البنك الدولي في تعبير أكثر حيادية يرى في هذه العملية “استحواذ على الأراضي الزراعية”.
لماذا إذاً كل هذا القلق من هذا النوع من الاستثمار الزراعي في الخارج خاصةً في أفريقيا؟ هناك من يرى أنه حين تستثمر دولة خارجية في أرض زراعية بدولة أخرى، فهذا يشبه انتهاك حقوق المزارعين. إذ في كثير من الأحيان، يتم إجبار المزارعين على العمل مع المستثمر الخارجي وفق شروط قد تكون مجحفة بحقهم. وفي بعض الأحيان، يقوم المستثمر الأجنبي بشراء مساحات زراعية واسعة، ويقوم بتصدير جميع المنتوجات الغذائية من هذه الأراضي إلى بلده الأم. والنتيجة غالباً ما يجد البلد المضيف نفسه دون غذاء كاف لسكانه. ولا يمكن أن ننسى أن أفريقيا تعرضت للعديد من المجاعات رغم خصوبة أراضيها كتلك التي ضربت كينيا عام 2008. الذاكرة الجماعية لهذه القارة قد لا ترحم المستثمر الأجنبي في العقود القادمة.
قد يعتقد البعض أن اعطاء المال للدول الأفريقية مقابل استخدام أراضيها الزراعية علاقة ترضي الطرفين. هناك القليل من الدراسات حول هذا الموضوع، لكن الكل متفق أن قوانين هذا النوع من “التعاون التجاري-الزراعي” تبدو غامضة وغير واضحة. إضافة إلى أن استغلال الأراضي الزراعية بشكل مكثف قد يضعف من خصوبة تربتها وبالتالي من إنتاجيتها في المستقبل.
هل يمكن أن نرى نوعا آخر من التبادل التجاري: مثلا النفط مقابل الغذاء، الكهرباء مقابل الغذاء، النفط مقابل الماء هنا؟، أعتقد أن المملكة ودول الخليج بشكل عام يجب أن تسعى لتبنى إطار دولي لتنظيم هذا النشاط من أجل أن لا يؤخذ على الدول المستثمرة صورة المستعمر الجشع وكذلك لإيجاد طريقة أفضل للتعاون تساهم في تلبية احتياجات الطرفين.
استخدام المياه المالحة في الزراعة
وإذا كانت تقنية تحلية مياه البحر مكلفة من الناحية البيئية والاقتصادية، فهل بالإمكان استخدام مياه البحر المالحة في الزراعة دون الحاجة لتحليتها؟
من المعروف أن المياه المالحة تؤثر سلبيا في خصوبة الأراضي الزراعية. لكن هناك بعض التجارب والأبحاث التي تهدف إلى رفع إنتاجية الأرز حتى في المياه المالحة. الفيتنام واليابان مثلا، لديهما حقول أرز تنمو في المياه المالحة وبإنتاجية عالية.
أعتقد أن هذا النوع من الأبحاث هو الأنسب لبيئتنا. هناك العديد من الأبحاث في الدول العربية حول إمكانية زراعة القمح بالمياه المالحة. هذه التجارب والأبحاث تستحق الدعم الكامل. مبادرة الاستثمار الزراعي في الخارج قد تدخل السعودية في متاهات قضائية معقدة في إطارها الحالي.
فهل يمكن لوزارة الزراعة تَبَنّي استراتيجية زراعية جديدة قائمة على الإمكانيات البيئية (توفر مياه الأمطار) لمناطق المملكة وعدم الضغط على الصحراء لإنتاج سلة غذاء أكبر من سلة غذاء إندونيسيا؟