شركة “بيونتيك” الألمانية تعاونت مع شركة “فايزر” لتطوير لقاح تزيد نسبة فعاليته عن 90%
نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز (ترجمة: هتلان ميديا)
خلال مؤتمر في العاصمة الألمانية برلين قبل عامين، طرح الدكتور أوغور شاهين، أمام حشد من خبراء الأمراض المعدية، توقعاً جريئاً حيث قال أن شركته قد تكون قادرة على استخدام ما يسمى بتكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لتطوير لقاح بصورة سريعة في حالة حدوث جائحة عالمية.
في ذلك الوقت، لم يكن الدكتور شاهين وشركته (بيونتيك) (BioNTech) معروفاً على نطاق واسع خارج مجموعة محدودة من الشركات الأوروبية الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، وكانت شركة “بيونتيك”، التي أسسها مع زوجته الدكتورة أوزليم توريتشي، تركز بشكل رئيس على علاجات السرطان ولم تطرح أية منتجات في السوق، كما أن كوفيد-19 لم يكن قد ظهر بعد.
تحققت نبوءة الدكتور شاهين، ففي يوم الاثنين (9 نوفمبر 2020)، أعلنت كلٌ من “بيونتيك” و”فايزر” أن لقاحاً لفيروس كورونا طوره الدكتور شاهين وفريق عمله أثبت فعالية بنسبة تزيد عن 90% في الوقاية من المرض بين المتطوعين الذين لم يكن هناك دليل على إصابتهم بالفيروس سابقاً. وقفزت النتائج المذهلة التي حققتها الشركتان إلى مقدمة السباق لإيجاد علاج للمرض الذي أودى بحياة أكثر من 1.2 مليون شخص حول العالم حتى الآن. وصرح الدكتور شاهين في مقابلة يوم الثلاثاء قائلاً: “قد نكون وصلنا إلى بداية نهاية حقبة كوفيد”.
بدأت شركة “بيونتيك” العمل على اللقاح في شهر يناير الماضي بعد أن قرأ الدكتور شاهين مقالاً في مجلة “ذي لانسيت” الطبية (The Lancet) جعله مقتنعاً بأن الفيروس التاجي، الذي كان ينتشر بسرعة في ذلك الوقت في أجزاء من الصين، سيتحول إلى جائحة تضرب العالم بأكمله. وألغى العلماء العاملون في الشركة، التي تتخذ من مدينة ماينز الألمانية مقراً لها، إجازاتهم وشرعوا في العمل على ما أطلقوا عليه مشروع “سرعة الضوء”.
في مقابلة الشهر الماضي، قال الدكتور شاهين: “لا توجد شركات كثيرة على مستوى العالم لديها القدرة والكفاءة للقيام بذلك بسرعة كبيرة مثلنا، لذا، شعرت أنها ليست فرصة، إنما واجب علينا القيام به، لأنني أدركت إنه بإمكاننا أن نكون من بين أول من يطور لقاحاً لهذا الفيروس”.
بعد أن حددت “بيونتيك” عدة لقاحات مرشحة واعدة، خلص الدكتور شاهين إلى أن الشركة ستحتاج إلى المساعدة لاختبار هذه اللقاحات بشكل سريع والحصول على موافقة الجهات التنظيمية وطرح اللقاح الأفضل في السوق. كانت كل من “بيونتيك” و”فايزر” تعملان معاً على تطوير لقاح للإنفلونزا منذ عام 2018، وفي شهر مارس الماضي، اتفقت الشركتان على التعاون لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا. ومنذ ذلك الحين، نشأت علاقة صداقة بين الدكتور شاهين، وهو تركي الأصل، واليوناني ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر. وقال الرجلان في مقابلات صحفية حديثة أن علاقتهما توطدت أكثر بسبب خلفياتهما المشتركة كعلماء ومهاجرين. وعلق الدكتور شاهين بالقول، دون الإشارة إلى العداء الطويل بين بلديهما الأصليين: “لقد أدركنا أنه من اليونان وأنني من تركيا. لقد كانت علاقة شخصية للغاية منذ البداية”.
ولد الدكتور شاهين، 55 عاماً، في مدينة إسكندرونة التركية. وعندما كان في الرابعة من عمره، انتقلت عائلته إلى مدينة كولونيا بألمانيا حيث عمل والداه في مصنع فورد. كان حلم شاهين أن يكون طبيباً، وقد تحقق هذا الحلم وأصبح طبيباً في جامعة كولونيا، وفي 1993، حصل على الدكتوراه من الجامعة عن عمله في العلاج المناعي في الخلايا السرطانية.
في بداية حياته المهنية، التقى شاهين بالدكتورة توريتشي، والتي كانت تأمل أن تصبح راهبة ولكن انتهى بها الأمر بدراسة الطب. وُلدت الدكتورة توريتشي، 53 عاماً، المدير الطبي لشركة “بيونتيك” في ألمانيا، وهي ابنة طبيب تركي هاجر من اسطنبول. وفي يوم زواجهما، عاد الدكتور شاهين والدكتورة توريتشي إلى المختبر بعد إتمام مراسم الزفاف.
ركز الزوجان في البداية على البحث والتدريس بما في ذلك في جامعة زيورخ حيث عمل الدكتور شاهين في مختبر رولف زينكرناجيل ، الحائز جائزة نوبل في الطب عام 1996. وفي عام 2001، أسس الدكتور شاهين والدكتور توريشي شركة “غانيماد فارماسوتيكيلز” (Ganymed Pharmaceuticals) التي طورت أدوية لعلاج السرطان باستخدام الأجسام المضادة أحادية النسيلة. وبعد عدة سنوات أسسا شركة “بيونتيك” حيث كانا يتطلعان لاستخدام مجموعة أوسع من التقنيات بما في ذلك تكنولوجيا الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لعلاج السرطان. وقال الدكتور شاهين في مقابلة مع صحيفة فيسبادن كورير (Wiesbaden Courier) المحلية إنه يريد بناء شركة أدوية أوروبية كبيرة.
حتى قبل الجائحة، اكتسبت “بيونتيك” زخماً كبيراً، وجمعت مئات الملايين من الدولارات، ويعمل لديها حالياً أكثر من 1800 موظف ولها مكاتب في العاصمة برلين وغيرها من المدن الألمانية، إضافة إلى مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأمريكية. وفي عام 2018، بدأت شراكتها مع “فايزر”، والعام الماضي، استثمرت مؤسسة بيل وميليندا غيتس 55 مليون دولار لتمويل أبحاث الشركة لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية ومرض السل. وفي عام 2019، حصل الدكتور شاهين على جائزة المصطفى (ص) للعلوم والتكنولوجيا، وهي جائزة إيرانية تُمنح كل سنتين للمسلمين العاملين في مجالات العلوم والتكنولوجيا.
في عام 2016، باع الدكتور شاهين والدكتور توريشي شركة “غانيماد” مقابل 1.4 مليار دولار، والعام الماضي، تم طرح شركة “بيونتيك” للاكتتاب العام، وقد ارتفعت قيمتها السوقية في الأشهر الأخيرة إلى ما يزيد عن 21 مليار دولار، ما يجعل الزوجين من بين أغنى الأشخاص في ألمانيا، ولكنهما يعيشان مع ابنتهما المراهقة في شقة متواضعة بالقرب من مكتبهما ويستخدمان الدراجات للذهاب إلى العمل حيث لا يمتلكان سيارة. وفي مقابلة الشهر الماضي، قال السيد بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر: “أوغور شخصية فريدة جداً جداً. لا يهتم سوى بالعلم، ولا يفضل مناقشة الأمور التجارية. لا يحب ذلك مطلقاً. إنه عالم ورجل ذو مبادئ، وأنا أثق به بنسبة مئة بالمئة”.
في ألمانيا، حيث لا تزال الهجرة تمثل قضية خلافية، كان نجاح عالمين من أصل تركي مدعاة للاحتفال، وكتب موقع مجلة فوكوس المحافظة: “مع هذين الزوجين، فإن ألمانيا لديها مثال ساطع على الاندماج الناجح”. كما علق عضو البرلمان الألماني، يوهانس فوغل، عبر موقع “تويتر” بالقول أنه إذا كان الأمر متروكاً لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، ما كانت “بيونتيك” ستكون في ألمانيا وعلى رأسها أوغور شاهين وأوزليم توريتشي”. وأضاف: “لو كان الأمر متروكاً لمنتقدي الرأسمالية والعولمة، فلن يكون هناك تعاون مع شركة فايزر، ولكن ذلك يجعلنا أقوياء: بلد الهجرة، واقتصاد السوق، والمجتمع المفتوح!”
لم يكن لدى الدكتور شاهين متسعاً من الوقت للسياسة هذا العام، وكانت “بيونتيك” مشغولة للغاية في تطوير لقاح لدرجة أن الشركة لم تنته من التفاصيل المالية لاتفاقية الشراكة مع فايزر. وقال الدكتور شاهين: “الثقة والعلاقات الشخصية مهمة جداً في مثل هذه الأعمال، لأن كل شيء يسير بسرعة كبيرة، فلا يزال لدينا صحيفة شروط وليس عقداً نهائياً بشأن الكثير من الأمور”. وقال الدكتور شاهين إنه والدكتورة توريشي علما بشأن البيانات الخاصة بفعالية اللقاح مساء الأحد، واحتفلا بتلك اللحظة بتحضير الشاي التركي في المنزل. وأضاف: “بالطبع احتفلنا. لقد كانت تلك الأخبار مصدر ارتياح كبير”.
============
المقال الأصلي باللغة الإنجليزية
https://www.nytimes.com/2020/11/10/business/biontech-covid-vaccine.html