لم يكن لدى الجنس البشري مهمة أكثر إلحاحاً من توفير مناعة واسعة ضد فيروس كورونا.
نقلاً عن موقع “غيتس نوتس”
ترجمة: هتلان ميديا
أحد الأسئلة التي تطرح عليّ كثيراً هذه الأيام يدور حول متى سيكون العالم قادراً على العودة إلى ما كانت عليه الأمور في ديسمبر الماضي قبل تفشي جائحة فيروس كورونا، وإجابتي دائماً هي: عندما يكون لدينا الدواء شبه المثالي لعلاج كوفيد-19، أو عندما تحصل الغالبية العظمى من الناس على كوكب الأرض على لقاح ضد فيروس كورونا.
ومن غير المرجح أن يتم ذلك قريباً، فنحن بحاجة إلى علاج معجزي فعال بنسبة 95 بالمئة على الأقل لوقف انتشار المرض، ولكن معظم الأدوية المرشحة حالياً لا تقترب من هذه النسبة بأي حال من الأحوال. صحيح أنها قادرة على إنقاذ الكثير من الأرواح، لكنها ليست كافية لكي نعود إلى حياتنا الطبيعية قبل تفشي الجائحة، الأمر الذي يجعل تطوير لقاح أمراً ملحاً.
لم يكن لدى الجنس البشري مهمة أكثر إلحاحاً من توفير مناعة واسعة ضد فيروس كورونا. في واقع الأمر، إذا كنا نريد عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، نحن بحاجة إلى تطوير لقاح آمن وفعال، وأن نصنع مليارات الجرعات منه ونرسلها إلى جميع أنحاء العالم، وأن يحدث كل ذلك في أسرع وقت ممكن.
يبدو هذا مخيفاً لأنه بالفعل كذلك. مؤسستنا أكبر ممول للقاحات في العالم، ولكن الوضع الحالي لا يمكن مقارنته بأي شيء عملنا عليه سابقاً، فالأمرسيتطلب جهوداً مشتركة وتعاون على مستوى عالمي لم يحدث من قبل. لكنني متأكد أنه سيتم، لأنه ببساطة ليس هناك بديل.
في ما يأتي ما يجب عليك أن تعرفه عن السباق لتطوير لقاح لفيروس كوفيد-19.
العالم يعمل على تطوير هذا اللقاح وفق جدول زمني يعد الأسرع في التاريخ.
يعتقد الدكتور أنتوني فاوتشي أن تطوير لقاح لفيروس كورونا سيستغرق نحو ثمانية عشر شهراً، وأنا أتفق معه، على الرغم من أن تلك المدة قد يتم اختصارها إلى 9 أشهر فقط وقد تمتد إلى عامين.
على الرغم من أن ثمانية عشر شهراً قد تبدو فترة طويلة، إلا أنها ستكون أقل مدة يطور خلالها العلماء لقاحاً جديداً، حيث إن تطوير اللقاح يستغرق عادة نحو خمس سنوات، فبعد تطوير لقاح لمرض معين، يجب اختباره على الحيوانات، ثم البدء في إجراء اختبارات السلامة والفعالية على الإنسان.
السلامة والفعالية هما أهم هدفين بالنسبة لأي لقاح. السلامة هي بالضبط كما تعني الكلمة: هل اللقاح آمن للبشر؟ قد تكون هناك بعض الأعراض الجانبية البسيطة المقبولة (مثل الحمى الخفيفة أو الألم في مكان الإبرة)، لكنك لا تريد أن تحقن الناس بشئ يجعلهم مرضى.
أما الفعالية فتقيس جودة اللقاح في أن يوفر الوقاية من الإصابة بالمرض. وعلى الرغم من أننا نرغب في أن يكون اللقاح فعالاً بنسبة 100%، إلا أن معظم اللقاحات ليست كذلك، فعلى سبيل المثال، لقاح الإنفلونزا هذا العام فعال بنسبة 45 بالمئة تقريباً.
ولاختبار عوامل السلامة والفعالية، يمر كل لقاح بثلاث مراحل من التجارب:
- المرحلة الأولى تجارب السلامة، حيث تحصل مجموعة صغيرة من المتطوعين الأصحاء على اللقاح قيد الاختبار، ويتم تجربة جرعات مختلفة للحصول على أقوى استجابة مناعية بأقل جرعة فعالة دون آثار جانبية خطيرة.
- بمجرد الوصول إلى معادلة معينة، يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تخبرنا بمدى فعالية اللقاح في الأشخاص الذين سيحصلون عليه. وهذه المرة، يحصل مئات الأشخاص على اللقاح، ويجب أن تتضمن هذه المجموعة أشخاصاً من مختلف الفئات العمرية والأوضاع الصحية.
- في المرحلة الثالثة، يتم إعطاء اللقاح لآلاف الأشخاص. وعادةً ما تكون هذه أطول فترة لأنها تحدث في ما يسمى “حالات الأمراض الطبيعية”، حيث يتم إعطائه لمجموعة كبيرة من الأشخاص الذين من المحتمل أن يكونوا بالفعل عرضة لخطر الإصابة بالعدوى من قبل مسببات المرض المستهدفة، ثم الانتظار ومعرفة ما إذا كان اللقاح يقلل من عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض.
بعد اجتياز اللقاح مراحل التجارب الثلاثة، يتم البدء في بناء المصانع التي ستقوم بتصنيعه، ويتم إرساله إلى منظمة الصحة العالمية والوكالات الحكومية المختلفة للحصول على الموافقات اللازمة.
تسير هذه العملية بشكل جيد بالنسبة لمعظم اللقاحات، لكن الجدول الزمني المعتاد لتطوير اللقاح لا يتناسب مع الوضع الحالي، فكل يوم نستطيع اختصاره من المدة الزمنية، سيحدث فرقاً كبيراً للعالم من حيث إنقاذ الأرواح وتقليل تريليونات الدولارات من الخسائر الاقتصادية.
لذا، من أجل تسريع العملية، يعمل مطورو اللقاحات على ضغط الجدول الزمني كما هو موضح في الشكل التالي:
متى سيصبح اللقاح جاهزاً؟
تخضع جميع اللقاحات لإجراءات صارمة للتأكد من سلامتها وفعاليتها
أسرع لقاح تم تطويره استغرق 5 سنوات
إنتاج مواد التجارب السريريةعلى نطاق ضيق | رفع مستوى التصنيع | التصنيع على نطاق واسع |
التجارب ما قبل السريرية | تجارب المرحلة 1
اختبارات السلامة وتحديد الجرعات |
تجارب المرحلة 2
اختبارات الفعالية على مجموعة صغيرة |
تجارب المرحلة 3
اختبارات الفعالية على مجموعة كبيرة |
التراخيص |
هدف تطوير لقاح لفيروس كوفيد-19 خلال أقل من 18 شهراً
التجارب ما قبل السريرية |
اختبارات السلامة وتحديد الجرعات | اختبارات السلامة والفعالية |
إنتاج مواد التجارب السريرية على نطاق ضيق مع رفع مستوى التصنيع | التصنيع على نطاق واسع |
المصدر: NEJM (2020)
في الوضع المعتاد، يتم اتباع الخطوات بالترتيب وذلك لمعالجة القضايا الأساسية والأمور غير المعروفة. ويساعد ذلك في الحد من المخاطر المالية، نظراً لأن تطوير لقاح جديد أمر مكلف، وتفشل العديد من اللقاحات المرشحة.لهذا، لا تستثمر الشركاتفي الخطوة التالية حتى تتأكد مننجاح الخطوة السابقة.
بالنسبة لتطوير لقاح لفيروس كوفيد-19، فإن عملية التمويل ليست مشكلة، فقد أكدت الحكومات وعدد من المنظمات الأخرى (بما فيها مؤسستنا وائتلاف رائع يحمل اسم التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة) أنها ستقدم كل ما يلزم من دعم لتطوير اللقاح. لذا، فإن العلماء قادرون على توفير الوقت من خلال إجراء العديد من الخطوات اللازمة لعملية تطوير اللقاح في نفس الوقت. فعلى سبيل المثال، سيبدأ القطاع الخاص والحكومات ومؤسستنا في تحديد المرافق التي ستتولى تصنيع مختلف اللقاحات المحتملة. وإذا انتهى الأمر بعدم استخدام بعض هذه المرافق، فلا بأس، فذلك سيكون ثمناً ضئيلاً مقابل المضي قدماً في عملية الإنتاج.
لحسن الحظ ، فإن ضغط الجدول الزمني للتجربة ليس الطريقة الوحيدة لاختصار عملية تستغرق في العادة خمس سنوات، ليتم إنجازها في غضون 18 شهراً، فهناك طريقة أخرى سنقوم بها وهياختبار عدد كبير من الأساليب المختلفة في الوقت نفسه.
عشرات اللقاحات المرشحة قيد التطوير.
حتى تاريخ 9 إبريل، كان هناك 115 لقاحاً مختلفاً لفيروس كوفيد-19 قيد التطوير. أعتقد أن ثمانية إلى عشرة من هذه اللقاحات قد يكون لها نتائج مبشرة (ورغم ذلك، تواصل مؤسستنا متابعة جميع اللقاحات الأخرى حتى لا نهمل شيئاً قد يكون له مزايا إيجابية).
اللقاحات الواعدة تتبع مجموعة من الطرق لوقاية الجسم من فيروس كوفيد-19. ولفهم ما يعنيه ذلك بالضبط، من المفيد أن تتذكر كيفيةعمل جهاز المناعة في الإنسان.
عندما يدخل مسبب المرض إلى الجسم، يستجيب جهاز المناعة عن طريق إنتاج أجسام مضادة. تلتصق هذه الأجسام بمواد تسمى المستضدات (antigens) على سطح الميكروب. حينها يتم إرسال إشارة إلى الجسم للهجوم عليها، ويحتفظ الجهاز المناعي بسجل لجميع الميكروبات التي تمكن من القضاء عليها من قبل، حتى يتمكن من التعرف على الميكروبات المغيرة بسرعة وتدميرها قبل أن تصيب الجسم بالمرض.
تتحايل اللقاحات على هذه العملية بأكملها من خلال تعليم الجسم كيفية هزيمة مسببات الأمراض دون أن يمرض الجسم نفسه. النوعان الأكثر شيوعاً – والتي ربما تكون أكثر دراية بها – هما اللقاحات المعطلة واللقحات الحية. اللقاحات المعطلة تحتوي على مسببات الأمراض الميتة، أما اللقاحات الحية فيتم تصنيعها من مسببات الأمراض الحية بعد إضعافها(الموهنة)، وهي فعالة للغاية ولكن قد يكون لها آثار جانبية أكثر من اللقاحات المعطلة.
تعد اللقاحات المعطلة واللقاحات الحية مناهج “تقليدية” وهناك عدد من اللقاحات المحتملة لفيروس كوفيد-19 من كلا النوعين وذلك لسبب بسيط: فهي طرق معروفة، ولدينا الخبرة في طريقة اختبارها وتصنيعها.
أما الجانب السلبي، فهو إنها تستغرق وقتاً طويلاً لتصنيعها، فهناك الكثير من المواد في كل جرعة لقاح. معظمها مواد بيولوجية، ما يعني أنه يجب استزراعها، وهو للأسف أمر يستغرق وقتاً طويلاً.
لهذا السبب، أنا متحمس بشكل خاص لطريقتين جديدتين يتم اتباعهما في عدد من اللقاحات المحتملة: لقاحات الحمض النووي الريبوزي (RNA) ولقاحات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA). إذا نجح أحد هذه الأساليب الجديدة، فمن المحتمل أن نتمكن من إيصال اللقاحات إلى العالم بأسره بشكل أسرع. بغرض التبسيط، سأشرح فقط لقاحات الحمض النووي الريبوزي، حيث تتشابه لقاحات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين معها، ويكون الاختلاف فقط في نوع المواد الجينية وطريقة التعامل معها.
تدعم مؤسستنا – من خلال تمويلنا الخاص ومن خلال التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة– تطوير منصة للقاحات الحمض النووي الريبوزي منذ ما يقارب 10 سنوات. وكنا نخطط لاستخدامها في صنع لقاحات للأمراض التي تؤثر على الفقراء مثل الملاريا، ولكن يبدو الآن إنها واحدة من الخيارات الواعدة لتطوير لقاح لفيروس كوفيد-19. وكان أولى اللقاحات المرشحة لبدء التجارب على البشر، لقاح الحمض النووي الريبوزي الذي طورته شركة تحمل اسم “مودرنا” (Moderna).
إليك الكيفية التي يعمل بها لقاح الحمض النووي الريبوزي: بدلاً من حقن مستضد مسببات الأمراض في جسمك، فإنك تعطي الجسم الشفرة الجينية اللازمة لإنتاج ذلك المستضد ذاته. وعندما تظهر المستضدات خارج الخلايا، يهاجمها جهازك المناعي، ويتعلم خلال تلك العملية كيفية هزيمة المتسللين في المستقبل، أي أنك تحول جسمك بشكل أساسي إلى وحدة لتصنيع اللقاحات الخاصة به.
وحيث إن لقاحات الحمض النووي الريبوزي تدع جسمك يقوم بمعظم العمل، فهي لا تتطلب الكثير من المواد، وهذا يجعلها أسرع في التصنيع. ولكن المشكلة هي إننا لا نعرف على وجه اليقين حتى الآن ما إذا كان الحمض النووي الريبوزي منصة فعالة لتطوير اللقاحات أم لا، وحيث إن كوفيد-19 سيكون أول لقاحات الحمض النووي الريبوزي، يجب علينا أن نثبت أن المنصة نفسها فعالة، وأن هذه الطريقة توفر المناعة ضد المرض، ويشبه ذلك إلى حد ما بناء نظام الحاسب الآلي الخاص بك وتطوير أول برنامج للعمل عليه في نفس الوقت.
وحتى إذا أثبت لقاح الحمض النووي الريبوزي نتائج مبشرة، علينا الاستمرار في متابعة الخيارات الأخرى، فنحن لا نعرف حتى الآن كيف سيكون شكل لقاح كوفيد-19. وحتى ظهور اللقاح، علينا المضي قدما في أكبر عدد ممكن من الطرق.
قد لا يكون لقاحاً مثالياً بعد – ولكن لا بأس بذلك.
لقاح الجدري هو اللقاح الوحيد الذي نجح في القضاء على المرض بشكل كامل من على وجه الأرض، ولكنه لقاح صعب عند إعطائه، حيث كان يترك ندبة على ذراع الشخص الذي يحصل عليه. وعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص من آثار جانبية سيئة أجبرتهم على البقاء في المنزل والتغيب عن المدرسة أو العمل، كما ظهرت عند عدد قليل- ولكن ليس ضئيلاً – من الأشخاص ردود فعل أكثر خطورة. إذاً، لقاح الجدري أبعد ما يكون عن اللقاح المثالي، لكنه أنجز المهمة، وقد يكون لقاح كوفيد-19 مشابهاً لذلك.
إذا أردنا تطوير اللقاح المثالي، يجب أن يكون آمناً وفعالاً بنسبة 100%، ويجب أن تمنحك جرعة واحدة وقاية من الفيروس مدى الحياة، كما يجب أن يكون اللقاح سهل التخزين والنقل. أتمنى أن يشتمل لقاح كوفيد-19 على كل هذه الصفات، ولكن نظراً للجدول الزمني الحالي، فقد لا يكون الأمر كذلك.
الأولويتان، كما ذكرت سابقاً، هما السلامة والفعالية. وبما إنه قد لا يكون لدينا الوقت لإجراء دراسات تمتد لعدة سنوات، سيتعين علينا إجراء تجارب قوية لاختبارات السلامة في المرحلة الأولى والتأكد من أن لدينا أدلة عملية جيدة على أن اللقاح آمن تماماً للاستخدام.
لدينا مساحة حرية أكبر إلى حد ما بالنسبة لفعالية اللقاح، وأعتقد أن لقاحاً فعالاً بنسبة 70 بالمئة على الأقل سيكون كافياً لوقف انتشار المرض. يمكن استخدام لقاحاً نسبة فعاليته 60 بالمئة، ولكن قد يكون هناك بعض حالات تفشي محلية للفيروس.ومن غير المرجح أن يوفر أي لقاح بنسبة فعالية أقل من 60 بالمئة، مناعة قطيع كافية لوقف الفيروس.
سيكون التحدي الكبير هو التأكد من عمل اللقاح بشكل جيد لدى كبار السن، فكلما تقدم الإنسان في العمر، كانت اللقاحات أقل فعالية، فالجهاز المناعي – مثل بقية أجهزة الجسم – يتقدم في العمر ويكون أبطأ في التعرف على الأجسام الغريبة ومهاجمتها. وهذه مسألة مهمة للغاية بالنسبة للقاح كوفيد-19، لأن كبار السن هم الأكثر عرضة للخطر، ويجب علينا التأكد من أنهم محميون.
لقاح القوباء المنطقية (shingles) الذي يستهدف كبار السن أيضاً، يتغلب على هذه المسألةعبر زيادة قوة اللقاح. من الممكن أن نقوم بشيء مماثل بالنسبة للقاح كوفيد، على الرغم من أن ذلك قد يصاحبه مزيد من الآثار الجانبية. كما يمكن للسلطات الصحية أن تطلب من الأشخاص الذين تجاوزوا سن معين الحصول على جرعة إضافية.
بالإضافة إلى السلامة والفعالية، هناك عوامل أخرى يجب مراعاتهما:
- كم سيكون عدد الجرعات؟ لقاح تحصل عليه مرة واحدة فقط أسهل وأسرع في تقديمه للناس، ولكن قد يحتاج الإنسان إلى لقاح متعدد الجرعات للحصول على فعالية كافية.
- كم سيستمر مفعول اللقاح؟ من الناحية المثالية، يمنح اللقاح الإنسان حماية طويلة الأمد، ولكن قد ينتهي بنا الأمر بلقاح يمنح الإنسان وقاية من المرض لمدة شهرين فقط (مثل لقاح الإنفلونزا الموسمية الذي يحميك لمدة ستة أشهر تقريباً). إذا حدث ذلك، فقد يتم استخدام اللقاح قصير المدى بينما نواصل العمل على لقاح ذي فعالية أطول.
- كيف سيتم تخزين اللقاح؟ يتم الاحتفاظ بالعديد من اللقاحات المعروفة عند 4 درجات مئوية، أي في درجة حرارة تشابه الثلاجة المنزلية، لذا فإن عملية التخزين والنقل تكون سهلة. لكن يجب تخزين لقاحات الحمض النووي الريبوزي في درجات حرارة أقل بكثير – تصل إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر- ما سيجعل وصولها إلى مناطق معينة من العالم أكثر صعوبة.
آمل أن يكون اللقاح الذي سيكون لدينا بعد 18 شهراً من الآن قريباً من اللقاح “المثالي” قدر الإمكان. حتى إن لم يكن كذلك، فسنواصل العمل على تحسينه. بعد ذلك، أعتقد أن لقاح كوفيد-19 سيصبح من التطعيمات الروتينية التي يحصل علها الأطفال حديثي الولادة.
ولكن بعد أن يتم تطوير اللقاح، ستكون هناك مشكلات كبرى سيتعين علينا التغلب عليها:
نحن بحاجة لتصنيع وتوزيع أكثر من 7 مليارات جرعة من اللقاح.
من أجل وقف انتشار الجائحة، يجب توفير اللقاح لكل إنسان على وجه الأرض تقريباً. ونحن لم يسبق أن عملنا على إيصال شئ ما إلى جميع بقاع العالم من قبل. وكما ذكرت سابقاً، فإن عملية تصنيع وتحزين اللقاحات عملية صعبة للغاية.
هناك الكثير من الأمور التي لن نعرفها عن عملية تصنيع وتوزيع اللقاح حتى نعرف بالضبط ماهية هذا اللقاح. على سبيل المثال، هل سنكون قادرين على استخدام مصانع اللقاحات الحالية لتصنيع لقاح كوفيد-19؟
ما يمكننا القيام به في الوقت الحالي هو بناء أنواع مختلفة من مصانع اللقاحات لكي نكون مستعدين، حيث يتطلب كل لقاح نوعاً مختلفاً من المصانع. يجب أن نكون مستعدين بالمرافق التي يمكنها تصنيع كل نوع من هذه الأنواع، حتى نتمكن من البدء في تصنيع اللقاح (أو اللقاحات) في أسرع وقت ممكن. سيكلف هذا مليارات الدولارات، وعلى الحكومات إيجاد آلية سريعة لتوفير التمويل لهذا الغرض. وتتعاون مؤسستنا حالياً مع التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة ومنظمة الصحة العالمية والحكومات لتحديد عمليات التمويل.
تناقش تلك المناقشات كذلك، تحديد من سيحصل على اللقاح. في واقع الأمر، لن يتمكن الجميع من الحصول على اللقاح في نفس الوقت، فالأمر سيستغرق شهوراً – وربما سنوات – لتصنيع 7 مليارات جرعة (أو ربما 14 مليار جرعة بالنسبة للقاح متعدد الجرعات)، ويجب أن نبدأ بتوزيعها بمجرد الانتهاء من تصنيع أول دفعة.
يتفق غالبية الناس على أن العاملين في المجال الصحي يجب أن يحصلوا على اللقاح أولاً. ولكن من يحصل عليه بعد ذلك؟ كبار السن؟ المعلمون؟ العاملون في الوظائف الأساسية؟
أعتقد أن الدول ذات الدخل المنخفض يجب أن تكون من بين أول من يحصل على اللقاح، لأن الناس هناك أكثر عرضة للوفاة، حيث إن فيورس كوفيد-19 سينتشر بشكل أسرع بكثير في البلدان الفقيرة لأن تطبيق تدابير مثل الابتعاد الجسدي أصعب هناك، كما أن عدداً أكبر من الناس يعاني من مشاكل صحية أخرى تجعلهم أكثر عرضة للمضاعفات، إضافة إلى أن ضعف النظم الصحية سيجعل من الصعب عليهم الحصول على الرعاية اللازمة. لذا، فإن إرسال اللقاح إلى البلدان منخفضة الدخل يمكن أن ينقذ ملايين الأرواح. والخبر السار هو أن لدينا بالفعل منظمة لديها خبرة في كيفية القيام بذلك، وهي “التحالف العالمي للقاحات والتحصين” (GAVI).
في معظم اللقاحات، فإن الشركات التي تطور اللقاحات تبرم اتفاقاً مع الدول التي توجد فيها مصانعهم، بحيث تحصل تلك الدول على أول مجموعة من اللقاحات. ولكن من غير الواضح، عما إذا كان الأمر نفسه سيحدث بالنسبة للقاح كوفيد-19. آمل أن نجد طريقة لإيصاله للعالم كله على أساس عادل، وسيتعين على منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الوطنية وضع خطة للتوزيع بمجرد أن يكون لدينا فهم أفضل لما بين أيدينا.
وبالرغم من ذلك، ففي النهاية، سنقوم بتوسيع نطاق اللقاح ليكون متاحاً للجميع. وحينها، يمكن أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ونأمل أن نتخذ قرارات تمنع تكرار هذه الأزمة مرة أخرى.
هناك ضوء في نهاية النفق، قد من الصعب رؤيته الآن، ولكننا على الطريق الصحيح للحصول على لقاح في أسرع وقت ممكن. وحتى ذلك الوقت، أدعوكم إلى اتباع الإرشادات التي تضعها السلطات المحلية في كل بلد، فقدرتنا على تجاوز هذه الجائحة ستعتمد على قيام كل فرد بدوره لنحافظ على سلامة بعضنا البعض.
*الصورة نقلاً عن موقع “غيتس نوتس”