لطالما كانت السعادة «لغزاً» حاول أعظم الفلاسفة تفسيره لأنفسهم ولنا، وبالطبع اختلفت التفسيرات قديماً وحديثاً، حول معنى السعادة وحقيقتها، فالسوفسطائيون القدماء، كانوا يرونها في الاستمتاع بالأهواء، بينما رأى سقراط وأفلاطون، أن السعادة في اتباع الفضيلة، وفلاسفة آخرون اعتبروا أنها في الاستمتاع باللذات الحسية، بعكس آخرين رأوها في الزهد في هذه اللذات الحسية، قدر الطاقة الإنسانية، ونفس ما اختلف حوله القدامى حدث في العصر الحديث، فقد أرجع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط السعادة إلى العمل طبقاً لمبدأ الواجب، بينما كانت بالنسبة لمواطنه نيتشه: «السيطرة على المحيط»، فنيتشه الذي تحدث كثيراً عن امتلاك القوة وعدم امتلاكها وتأثيرها في تجارب الأفراد، قال إن إبداء أي فرد المقاومة هو استعادة لقوته، وهو مصدر رئيسي لسعادته.
وفرّق بعضهم بين اللذة والسعادة، فجعلوا اللذة حالة آنية تابعة للزمان المتغير والسعادة حالة مثالية يقترب الإنسان منها بالتدريج بدون بلوغها بالفعل، ومن هنا ظهر مذهب السعادة الذي يركز أصحابه على القول إن السعادة العقلية هي الخير الأعلى، وهي غاية العمل الإنساني سواء أكانت خاصة بالفرد أو بالمجتمع.
تستلزم نوعاً من النشاط
صحيفة «ذي أندنبندنت» البريطانية، قدمت استعراضاً لتاريخ فلسفة السعادة عند عدد من أهم الفلاسفة القدماء والمعاصرين، ومنهم اخترنا:
* «سر السعادة لا يكون في السعي إلى المزيد، ولكن في تنمية القدرة على التمتع بالأقل»، هكذا يرى سقراط السعادة، مؤكداً أنها لا ترتبط بالجوائز المادية التي نحصل عليها نتيجة أفعالنا، بل تأتي من النجاح الخاص الذي يحققه الأفراد، والذي ينعكس عليهم داخلياً، وبالنسبة لسقراط، نجد أن القدرة على تقليص الاحتياجات المادية، تجعل البشر أكثر تقديراً لجمال الأمور البسيطة في الحياة.
* ويعد أرسطو من أكثر الفلاسفة الذين انشغلوا بالبحث في «ماهية السعادة»، وطرح تساؤله الشهير عن «ماهية الحياة الطيبة»؟، وأجاب عنها قائلاً: «إنها الحياة السعيدة».
ولم يبحث أرسطو كما بحث أفلاطون كيف يجعل الناس أخياراً، بل اهتم بكيفية جعلهم سعداء، وأشارت فلسفته عن السعادة إلى أنها من الأمور التي تطلب لذاتها، وهنا يقول أرسطو: «بعض الناس يرى السعادة في الثراء، غير أنهم مخطئون، لأن الثراء لا يطلب لذاته، وإنما لما يحققه، وبعض الناس يرى السعادة في المجد، لكن المجد ليس رهن إرادتنا، ومع ذلك فإن هؤلاء الذين نالوا المجد هم أحياناً بؤساء، وكم من المشاهير يشعرون بآلام مما لا طاقة لهم بها، وبعض الناس يرى أن السعادة هي اللذة، وأقول لهم إن الإنسان يرغب في العلم، مع اللذة أكثر، مما يرغب في اللذة وحدها، إذ إن اللذة ليست هي الخير الوحيد، ثم يقول: لا شك أن السعادة تستلزم نوعاً من النشاط، إذ لا يمكن أن يكون الإنسان في سبات ويكون سعيداً، فبدون نوع خاص من العمل لا وجود للسعادة، ولكن، ما النوع الخاص من العمل؟ هنا يظهر جوهر الفلسفة الأرسطية، في فكرة المهنة أو الوظيفة: الموسيقي، النحات، صانع الأحذية، النجار، كل واحد منهم، إما أن يحسن عمله وإما أن يسيء إليه، فإن أحسن، كما يقول أرسطو، استحق التوفيق ونال السعادة. وبالنسبة لأرسطو السعادة ليست هدية يمنحها لنا الآخرون، لكنها شيء نخلقه من العدم من قوتنا الداخلية ومسؤوليتنا حمايتها من كل ما يهددها.
* «الرجل الذي يجعل كل شيء يؤدي إلى السعادة، يرتبط بشخصه لا بالآخرين، يملك أفضل خطة ممكنة لحياة سعيدة».. هكذا كانت جوهر فلسفة أفلاطون، وليس ذلك بالأمر المستغرب، أن يكون مفهومه للسعادة يشبه مفهوم معلمه سقراط، فهنا فلسفة أفلاطون ترتبط بالنمو كأفراد، فمثلاً قراءة كتب أكثر من العام الفائت، ركض مسافة أطول من الأمس، القدرة على التحقيق، هي السعادة، وليست النتائج المرتبطة بتحقيقها، أو بما ستعود عليك بالفائدة.
تحطيم العادة
* للفيلسوف هنري ديفيد ثورو مقولة أثيرة قالها: «السعادة كالفراشة كلما لاحقتها تملصت منك، لكن إن منحت اهتمامك لأمور أخرى، فستجدها تحط بهدوء على كتفيك»، وفلسفة ثورو للسعادة، تستند إلى تحطيم العادة، وبالنسبة إليه، قد يكون الالتزام بالعشوائية، سبيل الفرد إلى تحقيق ما هو أكبر، وربما العثور على تفسير ما للسعادة، وملاحقة السعادة ليست السبيل للحصول عليها، بل المضي قدماً وتجاهلها وحينها ستجد طريقها إليك.
* الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل، اعتبر أن السعادة لا تأتي من الإغداق على النفس بالملذات، بل بالعيش وفق مبدأ المنفعة، فهي استخدام الأمور من أجل هدف محدد، وفي حال لم تكن هذه الأمور تخدم أي هدف على الإطلاق، على الشخص التخلص منها.
واختصر الفيلسوف الدانماركي سورين كيركغور فلسفته عن السعادة بقوله: «الحياة ليست مشكلة نحاول حلها، بل حقيقة يجب علينا اختبارها».
المصدر: الخليج