كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
سرقت هذا الكتاب من أرفف صديق كي أضعه على رأس العناوين التي سترافق قراءاتي في شهر رمضان المبارك، ولكن إغراءه المثير للدهشة يحبسني الآن للمتعة مع كل قصة وورقة وسطر.
هو كتاب “أصدقاء وذكريات” من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز وهو يسجل انطباعات وصورا لعشرات الأميركيين، الذين عملوا في البواكير الأولى لبناء اقتصاد هذه المملكة. وكم أتمنى أن تتحول فكرة هذا الكتاب إلى معرض أو برنامج عمل لتسويق صورة هذا الشعب العظيم مجتمعا وثقافة وقيما أخلاقية، وأنا أضع هذا المقترح بين يدي الأمير سلطان بن سلمان بوصفه الشخصية الأكثر اهتماما بتسويق الصورة الوطنية مع الثقافات المختلفة.
خذوا مثلا هذه القصة: يقول ديفيد بنهام: “كنت طفلا في التاسعة عندما أخذنا والدي في رحلة عمل بصحبة أختي ووالدتي لنكتشف معه دهشة الصحراء، وهو يؤدي عمله في مشروع “التابلاين”، اهتدينا إلى خيمة بدوي من “شمر” قبيل المغرب على أطراف “حزم الجلاميد”، وبتنا في ضيافته.
كان والدي يتقن كثيرا من العربية وكنت أسمعه مع الصباح يجادل البدوي، الذي كان يرفض بشدة مغامرة أطفال وأم بعبور النفود الكبير لكل أهواله ومخاطره. ذهب والدي وتركنا في ضيافة هذا البدوي النبيل لثلاثة أسابيع، وكنا ننام في خيمته المقفلة بينما كانت عائلته تنام في الهواء الطلق. وحين عاد والدي أعطاه حفنة جنيهات ذهبية فردها إليه غاضبا وهو يقول: العربي لا يأخذ أجرا لضيافته. يواصل ديفيد بنهام: “اصطدمت في حياتي بعشرات المواقف من محطات الوداع إلى سفر أو موت ولكن بكائي ذلك الصباح في وداع هذه الخيمة السعودية على أطراف الصحراء سيظل أقسى صور الوداع والبكاء في الذاكرة”.
في الكتاب صورة الغلاف لـ كارول سميث وهي تتسلل خفية لتدخل تحت عباءة الملك عبدالعزيز حين زار مدرستهم في الظهران ثم تختم رسالتها المبكية بالحسرة أنها كانت طفلة لم تستطع أن تطلب منه أن يهديها العباءة.
في هذا الكتاب المدهش 96 قصة روائية لعشرات الأميركيين الذين سجلوا فيها انطباعات خالدة عن حياتهم بين شعب جميل متدين متسامح، وأصيل فطري في قيمه المتسامحة. يحزنني أخيرا أن جامع المادة لهذا الكتاب “مايكل كروكر” يختتمه حين يقول: “لقد بدأنا بالتناقص، كانت الرابطة بالآلاف ولكن الموت يأخذها إلى المئات، وأخشى أن تصل إلى العشرات قبل أن نحقق حلمنا بأن نشرح لهذا العالم توثيقا لسؤالنا: ما هي المملكة العربية السعودية؟.
المصدر: الوطن أون لاين