كاتب سعودي
تستند الجولة الآسيوية التي يجريها في الوقت الراهن الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، إلى رصيدٍ ثقيل الوزن من المصالح المشتركة على مستوى الاتجاهات كافّة، وإلى سجلٍ زمني طويل حافلٍ بتحقيق العديد من المكاسب المهمة، تأتي في مقدّمة قوائمها دون أدنى شك الجوانب السياسية والاقتصادية، التي تشكّل في العصر الراهن عماد العلاقات الدولية بين مختلف الدول والمجتمعات. تتوّجها تلك الجولة كجزء رئيس من استراتيجية المحافظة على تلك المنجزات المتحققة، وتنمية لآفاقها مستقبلاً، ضمن السمات الأساسيّة المرسومة؛ لعل من أبرزها أهمية استمرار الاتصالات والتنسيق المشترك مع الشريك الآسيوي العملاق استراتيجياً، وأن توسّع وتعمّق مرحلياً وفْق ما تقتضيه المصالح المشتركة للمملكة مع شركائها الآسيويين، وأخذاً في الاعتبار المتغيرات السياسية والاقتصادية في الدرجة الأولى، وما يطرأ عليها من تطورات ومستجدات، سواءً كانت إقليمية أو دولية.
يصل حجم التبادل التجاري فقط مع “باكستان، اليابان، الهند” إلى نحو 380 مليار ريال (101.2 مليار دولار) بنهاية 2013، وهو ما يُشكّل خمس التبادلات التجارية للمملكة مع العالم الخارجي. هذا عدا ما يمثله الاقتصاد السعودي من أهميّةٍ قصوى بالنسبة لكلٍ من باكستان والهند على مستوى العمالة الوافدة منهما، كونها تشكل تقريباً أربعة أعشار العمالة غير السعودية في بلادنا.
أمّا بالنسبة لليابان التي تحتل المرتبة الخامسة في سلم التبادل التجاري مع المملكة، فلا شكّ أنّ زيادة الشراكة مع اقتصادها المتقدّم جداً، وفتح آفاقها استثمارياً، خاصةً على مستوى التقنيّة المتقدّمة التي ينفرد بها الاقتصاد الياباني كثيراً مقارنة ببقية الاقتصادات حول العالم، والعمل بصورةٍ أسرع وأوسع من أجل توظيفها لخدمة تطلعات الاقتصاد السعودي نحو تنويع قاعدته الإنتاجية، وتعزيز فرصه المشروعة في ذلك الاتجاه، أؤكّد أنّها وحدها ملفٌ بالغ الأهمية إلى أقصى الحدود.
كما أنّ الاقتصاد الياباني يحاول الخروج من وَحل الركود الاقتصادي الطويل الأجل، وفي المقابل يسعى اقتصادنا الوطني لترسيخ قوائم نموّه بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط، فإنّ آفاق تنمية الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، تبدو واضحة المعالم لكلا الطرفين. اقتصادنا الوطني في حاجةٍ كبيرة إلى توظيف الإمكانات المتقدّمة جداً في الشرق الآسيوي عموماً، وفي اليابان وكوريا الجنوبية والصين على وجه التحديد، التي بدورها ستسهم في تعجيل تحوّل اقتصادنا نحو مزيدٍ من الاستقلالية عن النفط، التي تعني في حقيقتها إيجاد ركائز إنتاجية محلية متنوّعة وبديلة، ستفضي من خلال كياناتها التجارية والصناعية العديدة إلى إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية الملائمة للمواطنين والمواطنات، ويُعد العمل بكل الموارد المتاحة في الوقت الراهن لأجل تحقيق هذا الهدف وحده على أقل تقدير؛ واحداً من أهم الأهداف الاستراتيجية لاقتصادنا الواجب السعي حثيثاً لأجل تحقيقه، هذا إن لم يكن هو الهدف الأول والأهم.
كما أن المملكة تحظى بالكثير من الاحترام والثقة الكبيرين لدى الشركاء الآسيويين، وفي الشرق الآسيوي تحديداً، وقياساً على ما تتمتع به من موارد مالية غير مسبوقة، ولأن الفرص المواتية والأفضل تعايشها بلادنا في الوقت الراهن والتي قد لا تتكرر، أؤكد أنّ فرصة اقتناص تلك المحفزّات كافّة تبدو جليّة أمامنا بوضوحٍ تام، وهو أحد أهم أهداف ما تصبو إليه هذه الجولة الكريمة من لدن الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. يبقى التقدّم بها نحو تحقيق رؤاها الطموحة على أرْض الواقع من أهم بنود مسؤوليات الأجهزة الاقتصادية في بلادنا، وأنْ تحظى باهتمام وعناية تلك الجهات، على أمل أن تُرى نتائجها الفعليّة في أقرب زمنٍ ممكن، وأن تأتي اللقاءات والاجتماعات القادمة في المستقبل بين القيادات، وقد شهدت منجزاتٍ ملموسة لما تمّ بذله من جهودٍ في هذه الجولة وغيرها، وأن يتم الشروع في مشروعاتٍ أكبر وشراكاتٍ أخرى جديدة، تستند وتُبنى حينها على ما سيتم إنجازه في المرحلة الراهنة.
إنّ مواجهة التحديات الراهنة؛ في مقدّمتها انخفاض تنوّع القاعدة الإنتاجية لاقتصادنا، وتفاقم معدّلات البطالة بين شرائح الشباب، وتدنّي مستويات رواتب ومؤهلات الخبرة المتأتية من الوظائف المتاحة في الوقت الراهن من منشآت القطاع الخاص، على الرغم من ارتفاع التأهيل العلمي لطالبي العمل من الشباب والشابّات من المواطنين، أؤكّد أنّها تتطلّب أنماطاً أخرى مختلفة تماماً عمّا يتم بذله الآن! إذ يتعين تشجيع رؤوس الأموال الوطنيّة بفتح فرص الاستثمار المحلية أمامها، وتسهيل شراكاتها الاستثمارية مع الاستثمار الأجنبي المعتمد بصورةٍ أكبر على التقنية المتقدمة أكثر من أيّ عاملٍ آخر. وفي هذا السياق تحديداً؛ يؤمل أن تزيد الفرص بصورةٍ أكثر تركيزاً أمام المشروعات الصغرى والمتوسطة، ويوفّر لها الدعم المالي اللازم من الدولة، وتُقدّم لها الرعاية والبيئة المثالية الحاضنة لها، وأن تُمنح أكثر من غيرها الاستفادة من العامل التقني خارج الحدود، وهذا الدور ملقى على كلٍ من وزارة التجارة والهيئة العامّة للاستثمار ومؤسسة النقد العربي السعودي، وهو حديث طويل ذو شجونٍ سبق الحديث عنه كثيراً.
نأمل جميعاً أن يقابل الرؤية الطموحة التي حملتها الجولة الميمونة لولي العهد الأمين، التي أرتأت توافر فرص واسعة الخيارات مع الشركاء في آسيا، أؤكد أملنا جميعاً؛ أنْ يقابلها تحفزّ واهتمام يوازيها من قِبل مختلف الأجهزة الاقتصادية والمالية في بلادنا، وأن تُترجم فعلياً تلك الرؤية البعيدة المدى إلى واقعٍ يلمس عوائده الكبيرة اقتصادنا ومجتمعنا، وتلك هي مسؤولية ومهمّة تلك الأجهزة المعنيّة، إضافةً إلى كبريات المنشآت في القطاع الخاص.
المصدر: الاقتصادية