كاتب وباحث خليجي
الشعوب بطبيعتها وبفطرتها تتوق إلى التوافق والمحبة والسلام، ولكن هناك أحيانا من يريد أن يجرها إلى الصراعات بمختلف أشكالها العنصرية والطائفية والمذهبية. السعودية منذ أن أنشأها الملك عبد العزيز بن سعود – رحمه الله – وهي بلاد التآخي والتعاضد، وتتمتع جميع الطوائف فيها بالمساواة والعدالة الاجتماعية، فالذي وحد الجزيرة العربية المترامية الأطراف أسسها على هذه الثوابت والمبادئ والقيم الإنسانية؛ قيم الإسلام السمحة، وهي فوق ذلك بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي، ومصدر الأمن فيها دعوة سيدنا إبراهيم؛ إذ قال تعالى: «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام».
بيد أن بعض الجماعات نشأت على الكراهية والحقد فيما بينها وبين الجماعات الأخرى، وهي موجودة في كل المجتمعات البشرية. بالنسبة للسعودية فهي لم تعرف الإرهاب إلا في السنوات الأخيرة بظهور «القاعدة» وغيرها من الجماعات الدينية المتطرفة، وكان هناك مصدر خارجي للإرهاب في السعودية، وخاصة في موسم الحج عندما عملت بعض الدول على تسييس الحج؛ ولذا فالإرهاب ليس شيئا متأصلا في السعودية، ولكنه مستورد وكل مستورد مآله إلى الزوال.
الأحداث الطائفية الإرهابية التي حدثت في الأحساء مؤخرا ليست من طبيعة أهلها، ولكن من أفراد عائدين من بعض الدول التي تحتضن الإرهاب، وبالمقابل، ومما يؤسف له، أن الخطاب الديني، ليس في السعودية فقط، ولكن في معظم الدول الإسلامية، تميز بالتحريض والطائفية، وخاصة من الوعاظ الذين يجهلون حقيقة الدين الإسلامي، ومثل هذا الخطاب، وخاصة الحماسي، يكون له وقع خاص على الشباب؛ ولذلك نرى أن معظم من ينخرطون في الجماعات المتشددة هم من فئة الشباب.
وهناك عامل آخر يسهم في استهداف السعودية وتصدير الإرهاب إليها، وهو أن السعودية لها ثقلها السياسي والديني في العالم العربي والإسلامي نتيجة تمسكها بعقيدتها الإسلامية وثوابتها السياسية داخليا وخارجيا؛ حيث يأتي ثقلها الإقليمي والدولي في المقام الأول؛ ولذا فهي محور الاستقرار في المنطقة، وهناك من الدول الأجنبية من لا تريد لها هذا الدور؛ ولذا فهي تستغل هذه الفترة الحرجة التي تمر بها المنطقة لكي ترمي بكرة النار الإرهابية في السعودية، لأن إضعاف الدور السعودي في نظرهم يسهل عليهم تنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم في المنطقة؛ ولذا فالهدف من العمل الإرهابي الأخير هو نقل النموذج اليمني إلى السعودية وإدخالها في حرب أهلية طائفية كخطوة أولى لزعزعة الأمن في السعودية.
والدور السياسي الذي تقوم به السعودية في المنطقة ليس بالدور الهين؛ فالسعودية هي من تجمع العرب والمسلمين، وهي من أوقفت الحرب اللبنانية في مفاوضات الطائف، هذه الحرب التي استمرت نحو 15 سنة، ولعبت الدبلوماسية السعودية دورا كبيرا في حفظ الأمن في منطقة الخليج العربي، وكذلك دورها في قضايا العرب الأخرى كقضية فلسطين والقضية السورية.
واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بنفسه في محاربة الإرهاب أزعج الجماعات الإرهابية، فكانت ردة فعلها في القيام بمثل هذه الأعمال التي تدل على إفلاسها. لقد أكد خادم الحرمين الشريفين أن المملكة العربية السعودية ماضية في حصار الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو حتى القضاء عليه، وعلى الفئة الضالة التي اتخذت من الدين الإسلامي جسرا تعبر به نحو أهدافها الشخصية، وتصم بفكرها الضال سماحة الإسلام ومنهجه القويم.
وأكد خادم الحرمين الشريفين على أهمية الحوار في محاربة الإرهاب، وذلك عندما قال إنه «لا سبيل إلى التعايش في هذه الحياة الدنيا إلا بالحوار، فبالحوار تحقن الدماء وتنبذ الفرقة والجهل والغلو، ويسود السلام في عالمنا»، معربا عن أمله بأن يؤتي مركز الحوار بين أتباع الأديان أكله في دحر الإرهاب الذي اشتكى منه العالم كله ورزئ به عالمنا الإسلامي اليوم.
إن السعودية تبنت استراتيجية وقائية وعلاجية في معالجة مشكلة الإرهاب، تقوم على حقيقة أن خطط محاربة الإرهاب لن تنجح إذا ما اقتصر الأمر على المواجهة الأمنية، فتطوير المؤسسات والتكتيكات الأمنية ورفع قدرات رجال الأمن، كفيل بمنع عمليات التخريب وتوجيه ضربات استباقية إلى الإرهابيين، وتحفظ أمن الوطن والمواطنين، لكن معالجة المشكلة من جذورها يقتضي تبني خطط منهجية واقتصادية وتعليمية، وخوض معركة تنويرية لتصحيح المفاهيم وبيان خطر الغلو وبناء شخصية مجتمعية إسلامية متوازنة واعية تلغي مبررات وجوده وأطلق على هذه الاستراتيجية «أسلوب المناصحة» الذي أثبت نجاحه، وهذا يؤكد جدية السعودية في مكافحة الإرهاب.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=794103