علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

السعوديون: على “اليوتيوب”

آراء

أستطيع بكل سهولة أن أفهم وأتفهم هذه الجرأة الهائلة المخجلة التي دفعت بمعلم مدرسة في صبيا إلى أن يسجل على هاتفه مقطع تعنيفه لطالب طفل ثم يواصل أيضا ضغط بضعة أزرار إلكترونية كي يجعل من مقطعه، وبفعل أصابعه، قصة وطنية مخزية ومجلجلة. هو فعل هذا لا لأنه كالعادة، أمن العقوبة فأساء الأدب، ولكن لأنه قرأ بشكل دقيق كل سلوكنا المجتمعي مع ثنائية (التصوير والأحداث المؤلمة).

سآخذكم إلى القصة المقابلة الموغلة في الحزن بذات قدرها الموغل في الوحشية: كهل سبعيني حضر لمنزلي الأسبوع الماضي وهو يغرق في البكاء والدموع لأن بناته الست يسهرن كل مساء على تصوير اللقطات الأخيرة لشقيقهن وهو ينازع سكرات الموت في حادث سير مؤلم. أي قلب إنساني هو (ذاك) الذي يتجرأ على تصوير جثة محجوزة في قلب سيارة (مصدومة) ثم يبثها للملايين دون أن يفكر في الألم المخيف الموحش لهؤلاء الشقيقات الست وهن يشاهدن الدقائق الأخيرة من ثواني حياة الأخ الشقيق الوحيد! هذا الأب المكلوم جاء لبيتي ليسألني أن أكتب لأنه يظن واهما أن مقالا سيلغي عشرات الليالي المحزنة المؤلمة من حياة ست بنات يشاهدن اللحظات الأخيرة من مصرع شقيق.

أي جرأة استثنائية هي تلك التي تتلذذ وتستمتع بتصوير شاب يعاني سكرات الموت محتجز في حادث سير؟ معلم صبيا الذي يتلذذ بتعذيب طفل يتيم هو نتاج هذه الثقافة المجتمعية التي تستمتع بتصوير مشاهد الموت لشاب يلفظ أنفاسه الأخيرة في حادث مؤلم. معلم صبيا يضغط على الكيبورد بإصبع بارد دون أن يستوعب نتائج الصدمة على (أم) شاهدت ابنها وهو يذرف الدموع في هذا المشهد المخيف، ومثله تلك الأصابع الباردة التي تصور مصرع شاب دون أن تعلم وقع الكارثة على أب مكلوم وست شقيقات يسهرن بكاء على الوجه الأخير من أنفاس الشقيق..

ما الذي أوصل المجتمع إلى هذه البلادة الإنسانية؟

المصدر: الوطن أون لاين