كاتب سعودي
يسير البيت السعودي بهدوء، على رغم ما يبثه الآخرون الحاقدون من أن أدنى حركة ستهزه وتربكه. الآخرون يظنون ويقولون ويكتبون ويحدثون الصراخ والجلبة، ينثرون من الحكايات ما أمكنهم، ويصوغون الجمل المعلبة، لكنهم في آخر المطاف يقفون بصمت أمام ثقل هذا البيت وقدرته على الحضور في أي وقت بالمثير والشجاع وربما المفاجئ.
قرارات البيت السعودي فجر أمس، ترسم مشواراً مختلفاً لمستقبل مليء بالطموحات والتحديات، وتقول على وجه من الحكمة والتماسك إن الشباب معني بالمسؤولية الكبيرة، ويلزمه أن يكون على هرم المسؤولية ليواجه حجار الطريق ويزيحها بمهارة تتطلبها الظروف وتحتمها التحديات الزائدة يوماً بعد يوم، في ظل أن المسؤوليات العظام والهموم الثقيلة والحلول الجذرية تكون قدراً من أقدار الأوطان الكبيرة.
تثبت القيادة السعودية الحديثة مع كل حركة تغيير يصاحبها ضخ للدماء الشابة أن ثمة رغبة أكيدة في التجديد، وهنا ملمح مهم، إنما يقف الملمح الأهم الأبرز في إشارة بالغة الدقة والثبات- مع حزمة التغييرات والتشكيلات- مؤداها أن بيتها العائلي أكبر من كل التحديات، فبيتها الواثق لا يهتز ولا يتراجع لحظة وحدة، ولا يحب التدقيق كثيراً في صفحات الماضي، لأن الحاضر لا يحتمل هذه المطالعة، ولا ينتظر إلا أن يكون دوماً في الموعد وعند الحدث وبموازاة المشاريع الوطنية الكبرى للمضي نحو مستقبل منتظر.
ينتظر المتربصون بنا لحظات الحسم وتداول المناصب والكراسي، وينشر قبلها الدخلاء والمزايدون والعابثون نصوصاً تشير إلى أن منعطف الخطر لهذه الدولة على حد زعمهم هو منعطف انتقال السلطة للجيل الثاني، وها هي السعودية تمضي بتلاحم ووفاق نحو انتقال عميق للسلطة في ما يمكن وصفه انتقالاً في الصف الأول، ومع هذا العمق والهدوء تنقطع حبال الانتظار وتموت المنشورات ويحدث التغيير بمواصفات ثلاث طاحنة وطاعنة «السرعة، الثقة، الهدوء»، وتضيع من بعد هذه الثلاث السمان الأماني الخائبة للإرباك والزعزعة وشرخ الوحدة وطعن النسيج.
اللحظات الحاسمة للقيادات الشاهقة تسير من دون أن تزعج أحداً من حولها، وسلاسة انتقال الحكم فن وعادة سعودية منذ بدء التأسيس، ومن أركان هذا الفن ألا تترك مساحة فارغة ليعبث بها المأزومون، وألا يسمح البتة للأسئلة العبثية أن تطفو طويلاً على السطح من دون إجابات مسكتة وقاطعة للألسن الطويلة الباحثة عن إشعال فتنة. التغييرات الجذرية تكون متوقعة مع كل حركة إلى الأمام، وترتيب مؤسسة الحكم يكون دوماً محط قلق وانتظار وتأويل وتفسير، لكن البيت السعودي بارع في تجاوز الصراعات ووضع النقاط على الحروف، مستقبل البيت يأخذ في الانطلاق الكامل على أيدي شباب الأسرة الحاكمة، وذلك حين دفع بهم حاكم البلاد للمقدمة في خريطة الحكم، وبارك الكبار الفعل والتوجه، هذا التغيير العاجل في التشكيلة السعودية بلوازمه من الأسماء والوجوه يقود «صراحة» إلى ملامح البلد ومستقبله بعيون الشباب المعززين بحكمة الشيوخ والمصقولين في المدرسة السعودية، وإطلالة الفجر المفاجئة آذنت بقرارات جوهرية ومفصلية تنبئ بإيجاز عن «مستقبل شاب لدولة سعودية معاصرة».
المصدر: الحياة