رسخ «السوق المركزي» في ذاكرة الناس، من خلال موقعه المتميز في وسط أبوظبي وقربه من الشاطئ، وقد أعيد بناؤه من جديد بتصميم معماري مزج بين القديم والحديث، حيث تحس روح وشكل التراث من خلال الديكور الخشبي والمساحات الواسعة للمحال، وارتفاع الأسقف واتساع الممرات وتعددها، بالإضافة إلى «تراسات» منتشرة على الجوانب يقابلها برجان يمثلان لوحة للفن المعماري الحديث.
ويجسد السوق صرحاً متكاملاً يعد ذاكرة للأجيال، حيث كان يضم الأشياء التي يحتاجها الزائر، وكان يفصل بين السوقين «القديم والجديد» جسر حجري بأدراج عادية، ومع تقادم الزمن والنهضة العصرية التي تشهدها أبوظبي، تم استبدال التصميم القديم بآخر معماري «سكني وتجاري» يحمل صفات ومزايا عالمية، تحت الاسم نفسه «السوق المركزي» ويمتاز بقربه من كورنيش أبوظبي عبر واجهته البحرية، وقد اقتربت شركة الدار العقارية من إنجاز هذا المشروع المعماري، حيث تم تنفيذ السوق القديم وما يضم من ديكور داخلي من الخشب، إضافة إلى أماكن مناسبة لجلسات شعبية ذات أجواء هادئة، بمحتوياتها من مواد شعبية متنوعة الملبس والمأكل والأشغال اليدوية.
صرح معماري
ويضم السوق مركزاً تجارياً «مركز التجارة العالمي»، وقد تم افتتاح قسم كبير من المحال، مؤلف من أربعة طوابق، بها 162 محلاً، محاطة واجهاتها الخارجية بـ «تراسات» مفتوحة زرعت فيها الورود والخضرة، بحيث يستمتع رواد المقاهي التي أقيمت على هذه التراسات بإطلالة جميلة، وخلال جولة في السوق، أوضح المهندس شحادة الخوري أحد المشرفين على تنفيذ المشروع أن هذا الصرح المعماري مزود بخمسة طوابق تحت الأرض، أربعة منها مواقف للسيارات، والخامس نصفه أيضاً للمواقف والنصف الثاني محال تجارية، أما بناء المركز فقد صمم من سبعة طوابق، تحتوي على 162 محلاً تجارياً، بعضها لأشهر الماركات التجارية العالمية التي توجد للمرة الأولى في الخليج، وصممت بسقف عال ومساحة واسعة، حيث يحوي الواحد منها كل ما يلزم الزائر، كما أوضح أن المشروع يضم أربعة أبراج، أحدها 92 طابقاً، وعند التسليم يكون أعلى برج في مدينة أبوظبي، بالإضافة إلى البرج التجاري المكون من 64 طابقاً، بجانب برجين مخصصين للفنادق، يبلغ ارتفاعهما 15 طابقاً.
وعن تصميم الجسر الذي كان يربط بين السوق القديم والجديد اللذين يلتقيان تحت عنوان السوق المركزي، قال إن الجسر الحديث بطول 100 متر وعرض 40 متراً، مشيراً إلى أن تصميم السوقين أخذ بعين الاعتبار أن يجمع بين الطابع القديم والحديث.
الأجواء القديمة
ومن رواد السوق، قال الشاب عبدالله الزعابي، إن السوق الجديد من أجمل الأبنية التجارية في المدينة، من حيث التصميم وما يضمه من جلسات هادئة سواء في داخله أو على «التراسات»، مشيراً إلى أن السوق القديم، ركز على الجوانب التراثية ليشكل معلماً مهماً يضاف إلى سجل الإنجازات التي تتحقق على أرض الإمارات.
أما المهندس مالك نصار الذي أتخذ لنفسه جانباً في أحد أركان مقهى، ليطالع المكان وهو يقرأ الصحف، فقال: بالنسبة للسوق القديم فقد كان شعبياً مفيداً للناس الذين يفضلون زيارة هذا النوع من الأسواق، وكان عليه طلب كبير ممن يجدون فيه احتياجاتهم المختلفة، أما بالنسبة لبناء السوق القديم حالياً، فيفضل أن يوحي بالأجواء القديمة نفسها، ليتزايد الإقبال عليه من المقيمين والسياح وزوار الإمارة، أما الجديد فهو جيد، حيث تم تحويل سلبيات السوق بمقره القديم إلى إيجابيات، خاصة بالنسبة لمساحة المحال وارتفاع الأسقف، إضافة إلى تنوعها، حيث يجد الشخص كل ما يحتاجه، إضافة إلى الجلسات المريحة في المقاهي.
أما الأستاذ الجامعي محمد أبو الفرج صادق المقيم في الإمارات منذ أكثر من 30 سنة، فيقول: أذكر تماماً عندما كنا نذهب في زيارة إلى السوق القديم بطبيعته الخلابة، وكأنه يعكس لي تلك الأصوات التي أعرفها في بلادي، بلاد الشام، لذا كنت أتابع عملية تغيير السوق القديم الذي أعرفه، إلى الجديد الذي أجهل معالمه، لكن لي نظرة خاصة إلى الجوانب العمرانية في أبوظبي، هذه النظرة التي تجمع لي فيها بين أصالة الماضي وحداثة المستقبل، فهي تمثل لي عنواناً يتعلق بجوانب الحياة، كالحرص على التراث الحقيقي والمحافظة عليه، والنظرة إلى المستقبل مع حماية التراث، والمحافظة على البيئة وخلق حالة تسويقية تعكس الهوية الإماراتية بكل أبعادها الثقافية والتجارية والعمرانية.
معلم حضاري
وعبر حمدان الدرعي الذي كان في جولة مع زوجته في السوق عن سروره بالانتهاء من بناء هذا المعلم الحضاري، بإشارته إلى أن السوق يجمع بين الماضي والحاضر وهو معلم من المعالم التراثية الحديثة لدولتنا، التي تعمل طول الوقت من أجل بناء الوطن، فيما أشارت عفراء المري من دبي إلى الراحة التي يتمتع بها زائر السوق الجديد بقولها: هذا مكان معماري رائع الجمال، سواء الديكور الخشبي للسوق، أو ديكور المحال المناسب المنسجم مع المبنى والمساحة في الممرات، باعتباره بناءً راقياً جداً، استخدم فيه الأسلوب القديم.
ملامح فنية
أعربت أمل المحرزي عن فخرها بأن تضم مدينة أبوظبي مثل هذا الصرح الحديث بما يحمله من ملامح الفن المعماري والتراثي، مشيرة إلى أن ذلك يظهر في الزخرفة والديكورات الخشبية والتقسيم الفني للمحال والممرات، إضافة إلى الأبراج المحيطة بالسوق مما يستقطب عدداً كبيراً من السياح، خاصة أن الموقع في وسط المدينة.
المصدر: فاطمة عطفة (أبوظبي)- الحياة