كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
من جديد يقدم التيار الإسلامي المتطرف في الشرق للتيار اليميني المتطرف في الغرب خدماته، ويهدي إليه على طبق من ذهب الأوراق التي تساعده على كسب معركته في الدول الأوروبية التي كافح طويلاً كي يصل إلى قمة السلطة فيها فلم يستطع.
فما حدث في بريطانيا الأسبوع الماضي من هجوم إرهابي، استهدف العابرين على جسر «ويستمنستر» في الطريق إلى مبنى البرلمان البريطاني، ليس إلا حلقة في سلسلة الخدمات التي يقدمها المتطرفون المسلمون للمتطرفين الغربيين الذين تزداد مواقفهم مع كل هجمة قوة.
وتزيد حججهم مع كل عملية إقناعاً، ويكسبون المزيد من الأنصار كلما حدث عمل إرهابي من هذا النوع، أبطاله أقرانهم في التطرف، وإن اختلفت توجهاتهم وأفكارهم وعقائدهم وأهدافهم، لأن التطرف ملة واحدة، والمتطرفين جنس واحد مهما تصادمت وجهات نظرهم، والضحايا متساوون في الإنسانية، لا ينتمون إلى هؤلاء ولا أولئك، ولا يتحملون وزر جنون هؤلاء ولا أولئك.
ربما يستفز تعبير «التيار الإسلامي المتطرف» بعض المسلمين، فينبري منهم من يقول: إن هؤلاء لا يمثلون الإسلام، ويحاول تبرئة الدين الإسلامي من التطرف.
وهذا موقف لا غبار عليه، لكن الحقيقة أن العالم كله ينظر إلى هؤلاء الذين يرتكبون هذه الأعمال الإرهابية على أنهم مسلمون، مهما حاولنا أن ننزع هذه الصفة عنهم، ليس لأنهم يطلقون على الجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها أو يتأثرون بفكرها مسميات تحمل اسم الإسلام فقط، وليس لأنهم يكتبون على الرايات التي يرفعونها شعارات إسلامية وآيات قرآنية فقط، وليس لأنهم يرددون وهم يقومون بهذه الأعمال الإرهابية عبارة «الله أكبر» فقط.
وليس لأنهم يحملون أسماء وكنى إسلامية مثل «خالد» و«عمر» و«أبو دجانة» فقط، وليس لأن أغلبهم ينحدر من أصول جاء أصحابها من بلدان عربية وإسلامية فقط، وإنما لأن أصول الصراع تقتضي أن يخلع كل معسكر على المعسكر الآخر صفة دينية أو مذهبية أو عرقية أو عقائدية كي يكون للصراع مبرر مقبول، وليس شرطاً أن يكون معقولاً.
وهؤلاء المتطرفون الإسلاميون يقدّمون للعنصريين ومشعلي الصراعات أفضل المبررات وأقواها ليصبوا مزيداً من الزيت على النيران المشتعلة، ويؤججوا الصراع حتى يصل أقصى درجة يمكن أن يستفيدوا منها.
وليس ثمة زيت أكثر إشعالاً لنيران الصراع العنصري من زيت الاختلاف الديني والعقائدي الذي يقدمه هؤلاء المتطرفون الإسلاميون لإخوانهم في التطرف من المعسكر الغربي، الذين يشتعلون حماساً ويطيرون فرحاً كلما حدثت عملية إرهابية من هذا النوع الذي شاهدناه الأسبوع الماضي.
ولننظر إلى ردود الأفعال التي صدرت من بعض رموز اليمين الأوروبي المتطرف لنعرف إلى أي مدى يخدم المتطرفون الإسلاميون هذا التيار العنصري المتشدد، ويقدمون له المبررات التي يستمد منها وجوده وتناميه وقوته.
في أول تعليق لها على حادث هجوم «ويستمنستر» في بريطانيا، أيدت مرشحة الرئاسة الفرنسية، رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف «مارين لوبان» إغلاق المساجد ذات الصلة بالتطرف، وسحب الجنسية الفرنسية ممن يحملون جنسيات أخرى إذا أدينوا بارتكاب هجمات.
وقالت: إن المشكلة التي تواجهنا هذه الأيام هي هذا النوع من الإرهاب منخفض التكلفة، وإنه ينبغي علينا إحكام السيطرة على حدودنا. وكانت لوبان قد قالت عند ترشحها للرئاسة إنها ستغير «هوية فرنسا» حال فوزها في الانتخابات.
كما كانت هي والمرشح المحافظ فرانسوا فيون قد صعّدا من النبرة المعادية لبعض الدول العربية، وقالا: إن باريس ينبغي عليها أن تراجع علاقتها مع هذه الدول التي زعما أنها تنشر فكراً متطرفاً في فرنسا.
فأي خدمة أكبر من هذه يمكن أن تقدمها هذه العمليات لأصحاب هذا الاتجاه المتطرف؟ وهل ثمة طبق أجمل وأكثر لمعاناً من هذا الطبق الذي يقدم عليه هؤلاء الإرهابيون هذه الخدمة لإخوانهم المتطرفين الغربيين؟
قبل يوم واحد فقط من إقدام «خالد مسعود» على تنفيذ عملية ويستمنستر، أعلنت بريطانيا عن وضع خطة عمل واضحة وقوية لمواجهة «الإسلامفوبيا» في بريطانيا، ورصدت أكثر من مليون جنيه إسترليني لتعزيز خدمة متخصصة في رصد وتسجيل حوادث الكراهية ضد المسلمين ودعم الضحايا.
وقال الناطق باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إدوين صمويل: «إن التعبير عن القلق إزاء الإسلامفوبيا غير كاف. لذلك اتخذت الحكومة إجراءات عملية واضحة وصارمة لمواجهة عدم التسامح الديني».
وأضاف: «إن المسلمين البريطانيين جزء مهم من النسيج الاجتماعي للملكة المتحدة». ويوم الجمعة الماضي أقر مجلس العموم الكندي مشروع قانون يمهد الطريق أمام إجراءات مستقبلية من أجل محاربة ظاهرة الخوف من الإسلام أو معادة الإسلام.
الجهود التي نبذلها لتصحيح صورة ديننا، وتلك التي تبذلها بعض الحكومات الغربية لمواجهة الإسلامفوبيا في بلدانها، تضربها سيارة يقودها متطرف مجنون، لا يصدم بها عدداً محدوداً من العابرين، وإنما يصدمنا كلنا.
المصدر: البيان