عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
واجهت السياسة الخارجية السعودية الكثير من التحديات الجدية، ابتداء من أحداث 11 سبتمبر 2001م ومرورا بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، وانتهاء ببدء شرارة الانتفاضات العربية في 17 ديسمبر 2010م، وقد سبب هذا الوضع الجديد انشغال الدول العربية الرئيسية وفي طليعتها مصر وسوريا والعراق بأوضاعها الداخلية الصعبة، مما جعل السعودية مُختارة او مُضطرة تُقرر التخلى عن نهجها التقليدي القائم على الدبلوماسية الهادئة، والمراهنة على مبدأ الاستقرار وعدم استحباب لعب اي طموحات إقليمية، ولاعطاء بعض الأمثلة على التغير الذي طرأ في السلوك السياسي السعودي خلال العقد الماضي يمكن استعراض الأحداث التالية:
الانتفاضات العربية:
مثلت الانتفاضات في بدايتها زلزالا سياسيا واجتماعيا، وكادت أن تتحول الى تهديد فعلي لجميع أنظمة المنطقة، وشهد العام 2011م تحديدا احداثا عربية جساما تمثلت في مغادرة الرئيس التونسي بن على تونس في 14 يناير، وتنازل الرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير، وقتل العقيد القذافي في 20 اكتوبر.
وبدورها حاولت قوى دولية وإقليمية استغلال هذا الفرصة التاريخية، لاتخاذ موطئ قدم لها في قلب الخليج والوطن العربي مدعومة بهواجس مذهبية أو تاريخية وأطماع مستقبلية، وكانت السعودية ترصد مواقف الدول الاقليمية بحذر، كما اتخذت ما تراه مناسبا سواء عبر دعم الاستقرار في البحرين في مارس 2011م وضمان الاستقرار في اليمن عبر تبنى المبادرة الخليجية في ابريل 2011م.
الفراغ الاقليمي حتم على الرياض لعب دور جديد في مسار الإقليم، يهدف لمواجهة التهديدات الحقيقية المتمثلة بتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، ووجود محاولات تركية لاستغلال حركات الإسلام السياسي العربي، وهذا ما دفع الرياض إلى اعتماد نهج جديد في سياستها الخارجية، والعمل على إعادة صياغة هذه السياسة من حيث الأولويات أو الأدوات.
الأزمة السورية:
سياسيا ونظريا كان من مصلحة الرياض أن يتغير النظام القائم فى دمشق وهو المتحالف تاريخيا مع إيران وحزب الله، إلا ان تعامل السعودية في بداية الأحداث اتسم بالتأني والمراهنة على قبول الاسد بحل سلمي، لكن مع تزايد جريان الدماء السورية جاء الموقف واضحا، عندما أعلن الملك عبدالله نفسه موقفا سعوديا صريحا وقويا في السابع من اغسطس 2011م، وتوالت المواقف السعودية لتعلن صراحة دعمها للجيش الحر سياسيا وعسكريا وماليا وما زالت.
ويمكن القول: إن نتائج السياسة السعودية تجاه سوريا كانت مُكلفة، فالعلاقات مع واشنطن تراجعت، والعلاقات مع موسكو توترت بسبب الدعم الروسي لآلة القتل في سوريا.
الأزمة المصرية:
اتسم الموقف السعودي من ثورة 25 يناير 2011م بالتحفظ والقلق على وضع مصر، وراقبت السعودية الوضع بهدوء وبتأن، وكانت حذرة من اي تدخل صريح في الشأن المصري، وطوال فتره حكم الرئيس السابق محمد مرسي تعاملت الرياض بحسن نية، وزار السعودية مرتين وقدمت الرياض مساعدات اقتصادية ضخمة لمصر، حتى حدوث الحراك في 3 يونيو 2013م، ورغم أن الموقف من مصر كلف الرياض سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، الا ان ذلك يعد طبيعيا مقابل ضمان استقرار مصر والتى تُعتبر مسألة حيوية.
العلاقات السعودية الأمريكية بعد الاتفاق النووي مع إيران:
راقبت الرياض التقارب الأمريكي الايراني قبل وبعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الامريكي والإيراني في شهر سبتمبر 2013م، ويمكن القول: ان الإعلام العالمي ضخم من إلغاء السعودية خطابها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم رفضها شغل مقعدها في مجلس الأمن الدولي ليحاول اثبات أن هناك أزمة في العلاقات السعودية الأمريكية، وهذا ما بُطل بعد إعلان الرئيس الأمريكي عزمه على زيارة الرياض الشهر القادم.
نعم هناك مكاسب آنية من جراء السياسة الجديدة الا ان النتائج المستقبلية تظل غير مضمونة، فالتحديات أمام الرياض متعددة ومتجددة، ومنها المحافظة على تأثيرها التاريخي في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وابقاء خصوصية العلاقة مع الولايات المتحدة بعيدا عن اية ردود فعل غير محسوبة وعدم التساهل مع ما يحدث في اليمن.
أخيرا لدى السعودية مزايا روحية وثروة اقتصادية وقدرات سياسية وبشرية، لا تملكها اي قوة اقليمية اخرى في المنطقة، الا ان التحدى هو القدرة على الإدارة بصورة أفضل وبطريقة جديدة تتساوى مع حجم التهديدات المستجدة.
المصدر: اليوم السعودية