داعية إسلامي من السعودية
الأيام الماضية كانت حافلة بكثير من التصريحات والآراء عن الإعلان عن الخطوة الموفقة، والطفرة النوعية لوزارة العدل في إسنادها الوكالات وتوثيق المبايعات والعقود لمن تتوافر فيهم شروط “الإسناد”؛ وذلك بحسب المواد الخمس عشرة التي تضمنتها اللائحة التي دشن معالي وزير العدل العمل بها.. المأمول من هذه الخطوة المنتظرة منذ فترة هو الرقي بخدمات التوثيق العدلية في المملكة، وتمكين الجميع من الاستفادة منها في كل زمان ومكان، بالإضافة إلى الإفادة من (550) كاتب عدل للالتحاق بالعمل في السلك القضائي. هنا سأكتب عما لم أراه؛ لعل المهتم بهذا الحدث المهم أن يحسن المواكبة له.. الموثق ـ كما يعرفه المهتمون ـ هو من يمارس القضاء الاختياري؛ التعاقدي: التوافقي أو الوقائي، وهو ضابط رسمي مفوض لإضفاء الطابع الرسمي على الاتفاقيات والعقود ـ في اللائحة: يعهد إلى الموثق توثيق: بيع العقارات. قسمة المال المنقول. الوكالات وفسخها. تأجير العقارات والمنقولات. عقود الشركات، وملاحق التعديل، وقرارات ذوي الصلاحية فيها. التصرفات الواقعة على العلامات التجارية، وبراءات الاختراع، وحقوق المؤلف. العقود الواقعة على المال المنقول. إقرار الكفالة الحضورية والغُرمية. الإقرار بالمبالغ المالية، وتسلمها، والتنازل عنها”.
مهنة التوثيق لا ترتبط ـ كثيرا ـ بمهنة المحاماة، وإن كان المحامي أبرز المرشحين؛ وذلك لأن التداخل بين المهنتين معلوم؛ فالموثق كما ذكرت قاض اختياري للمحافظة وقائيا على الحقوق والأملاك، وهو يعمل على إحكام البنود والشروط، أما المحامي فهو معني كثيرا بحل المنازعات عندما تقع.. أقول هذا لأن المرجو من الموثق أن يكون الضامن للتعاقدات، وليس مجرد المسجل لها، وأن يحفظ الآخرين من النصب والاحتيال.. مهنة التوثيق فرضت نفسها بنفسها، وستفرض نفسها أكثر خصوصا مع الموافقة الكريمة والحكيمة لمجلس الوزراء الموقر ـ قبل نحو أربعة شهور ـ على فتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية لشراء وبيع الأسهم المدرجة في السوق المالية السعودية، مما يعني بوضوح مدى الحاجة المستقبلية إلى مزيد من الضبط وكثير من الحماية في آن معا.. الموثق سيكون حتما طرفا فيما يبرمه من كتابات، وما يستلمه من إقرارات، وهو عرضة لأي تحقيقات، والمؤمل من وزارة العدل أن تخضع “جميع” من تقدم للحصول على رخص التوثيق إلى دورة متخصصة متجددة في التوثيق؛ حتى يتمكنوا من تحقيق كافة الأدوار المنوطة بهم.
التوثيق ولائحته أعاداني لمراجعة ما قرأته قديما عن علم شرعي قديم اسمه (علم الشروط) ـ التوثيق حاليا ـ.. علم الشروط علم على قدر كبير من الأهمية، وله صلة كبيرة بأعمال التوثيق، ورحم الله الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي الذي كتب عن هذا العلم قبل نحو (1250 سنة)، والذي ـ كما يعرف طلاب الفقه ـ يعد أول من جمع مجموعة من الجمل والإشارات عن هذا العلم، بنى عليها من أتى بعده.. الموثق أو كما تسميه الكتب الصفراء الجميلة (الشروطي) ـ بضم الشين ـ ملزم في وثيقته بمراعاة قواعد الشرع؛ فلا يمكن أن تتضمن شرطا يفسدها، أو يبطلها، وعليه مراعاة قواعد الإنشاء، لأنها عبارة عن تأليف وترتيب للمعاني والألفاظ.. أختم مقالي بشروط الموثق المنصوص عليها في كتب الفقه؛ فقد اتفقوا على (العقل)، و(الفقه بعلم الشروط)، و(النزاهة وعفة النفس)، واختلفوا في (الإسلام)، و(العدالة)، و(الحرية)، ولفهمهم الثاقب لم يذكروا أو يخصصوا (الرجل) بهذه المهمة الجسيمة.
المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23877