تظاهر آلاف اليمنيين أمس السبت في العاصمة صنعاء وخمس مدن رئيسية في احتجاج شعبي هو الأضخم ضد المتمردين الحوثيين الذين يهيمنون على اليمن بعد يومين على استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح ما أدخل البلد في حالة فراغ سياسي باتت تهدد فعلا بتفكك البلد بعد إعلان محافظات في الجنوب والشرق والمناطق الوسطى الانفصال عن مركز الحكم في صنعاء. وجاب آلاف المحتجين عددا من شوارع العاصمة صنعاء صباح أمس بالتزامن مع مسيرات وفعاليات احتجاجية في تعز، الحديدة، إب، البيضاء، وذمار، دعت لها حركة رفض الشبابية المناهضة للميليشيات واللجنة التنظيمية للثورة الشبابية والشعبية التي قادت الاحتجاجات ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 2011.
وانطلقت تظاهرة صنعاء من ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء مرورا بشارعي الدائري والزبيري وصولا إلى أمام مقر إقامة الرئيس عبدربه منصور هادي الذي استقال من منصبه الخميس بعد اقتحام المتمردين الحوثيين القصور الرئاسية ومحاصرة رئيس حكومته ومسؤولين في الدولة. وقدر منظمون أعداد المشاركين في التظاهرة بأكثر من عشرة آلاف شخص هتفوا بصوت واحد «يسقط يسقط حكم الحوثي»، «لا حوثي بعد اليوم»، «حرية حرية، نريد دولة مدنية». كما هتف المحتجون وبينهم عشرات النساء «الحوثيون والقاعدة قيادة واحدة»، و»الحوثي وجه المخلوع» في إشارة إلى الرئيس السابق الذي أجبر على التنحي مطلع 2012 بعد 33 عاما من السلطة. ورددوا «ثورة ثورة من جديد، سنبني اليمن الجديد»، و»عاش الشعب اليمني عاش، لا حوثي ولا عفاش» في إشارة إلى اسم يطلق على صالح الذي يعتقد بأنه وراء التقدم المثير للحوثيين المتمردين في محافظة صعدة الشمالية منذ اكثر من عشر سنوات.
ورفع متظاهرون لافتات حمراء كتب عليها «لا للانقلاب»، بينما شوهدت نساء منقبات يرفعن صورة كبيرة لزعيم المتمردين، عبدالملك الحوثي عليها إشارة «اكس» كبيرة قبل أن يسارعن بإحراقها أمام كاميرات وعدسات مراسلي وسائل إعلام تلفزيونية وصحفية. ورفع أحد المشاركين في التظاهرة لافتة بيضاء صغيرة كتب عليها «لن يحكمنا معتوه مران»، ومران هي معقل ومهد التمرد الحوثي في محافظة صعدة ومسقط رأس زعيم الجماعة ومؤسسها الراحل. وقالت طالبة ذكرت لرويترز أن اسمها ميمونة وكانت ترفع لافتة ترفض خططا لدمج المقاتلين الحوثيين في الجيش «خرجنا اليوم لرفض الانقلاب وسيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة» المستمرة منذ أواخر سبتمبر الماضي. وتحدثت مصادر إعلامية عن إصابة متظاهرين بمناوشات مع عشرات من أنصار الحوثيين حاولوا إعاقة المسيرة قبل أن ينسحبوا بعد تزايد اعداد المحتجين. وقال المسؤول في اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية والشعبية، محمد الصبري، لـ(الاتحاد)،: «الجماهير الرافضة للانقلاب الحوثي تنادي ببقاء هادي رئيسا للجمهورية وتدعو إلى رفض الانقلاب عليه واستعادة الدولة»، مشيرا إلى أن مدناً يمنية أخرى شهدت السبت فعاليات احتجاجية استجابة لدعوة اللجنة وحركة رفض التي تأسست أواخر العام الماضي لمناهضة انتشار الميليشيات في العاصمة.
وخرج آلاف الأشخاص في تظاهرة كبيرة جابت عددا من شوارع مدينة تعز للتنديد بسيطرة الميليشيات على الدولة في صنعاء. وهتف المحتجون الذين كانوا يرفعون لافتات معبرة «الموت ولا الإمامة»، في إشارة إلى حكم الأئمة الذي هيمن على شمال اليمن لأكثر من ألف عام وسقط في سبتمبر 1962 بانقلاب عسكري جاء بنظام جمهوري.
وشهدت مدينة إب، المجاورة لتعز، مسيرة مناهضة للمتمردين الحوثيين، فيما نفذ مئات الأشخاص سلسلة بشرية في مدينة ذمار، جنوب صنعاء، للتنديد بـ”الانقلاب» على الرئيس هادي المتحدر من الجنوب واُنتخب في سباق رئاسي غير تنافسي جرى أواخر فبراير 2012 بموجب اتفاق مبادرة دول الخليج العربية التي تنظم العملية السياسية في اليمن منذ 23 نوفمبر 2011.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان اليمني اليوم الأحد اجتماعا طارئا لمناقشة استقالة هادي وسط تأكيدات بمقاطعة نواب الجنوب الجلسة في ظل التصعيد الجنوبي ضد التمرد الحوثي بعد إعلان خمس محافظات جنوبية فك الارتباط مؤقتا بالعاصمة صنعاء. وبحسب مصادر برلمانية جنوبية، فإن ممثلي الجنوب في المجلس النيابي قرروا مقاطعة جلسة الأحد «رفضا لحالة الانقلاب» التي تجعل من صنعاء «مدينة غير آمنة» خصوصا في ظل انتشار المسلحين الحوثيين في محيط البرلمان. واقترح النائب الجنوبي، علي عشال، عقد الجلسة الاستثنائية للبرلمان خارج العاصمة «لأنه لا شرعية لانعقاد البرلمان على أسنة الرماح في صنعاء بعد الانقلاب الذي حصل في العاصمة والحصار الذي تفرضه الميليشيات على الرئيس والمؤسسات الحكومية من بينها مقر البرلمان»، حسبما أفادت صحيفة «المصدر» الأهلية.
وقال إن «نقل جلسة البرلمان إلى مدينة أخرى سيكون رسالة واضحة بأن الإرادة الشعبية التي يمثلها البرلمان كآخر مؤسسة منتخبة تعكس حالة الرفض الشعبي في عموم محافظات اليمن لكل ما يجري في صنعاء». وأمس السبت، أكد مجلس ما يُسمى بـ”إقليم عدن»، ويضم محافظات عدن، لحج، ابين، والضالع، تمسكه بالشرعية الدستورية ووحدة وأمن وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية»، منددا في بيان صدر عقب اجتماع لمحافظي هذه المحافظات في مدينة عدن (جنوب) بجميع «مظاهر وأشكال الانقلاب العسكري الذي يمارسه الحوثيون في العاصمة صنعاء منذ 19 يناير الجاري». وأكد البيان التمسك بمخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور الجديد خصوصا ما يتعلق بالأقاليم «كشرك من شروط انتظام واستكمال المرحلة الانتقالية». وأرغم المتمردون الحوثيون الرئيس هادي يوم الأربعاء عشية استقالته من منصبه على توقيع اتفاق يسمح بإدخال تعديلات على مسودة الدستور تلغي تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم.
وأعلنت فعاليات احتجاجية أمس السبت قيام إقليمي الجند، ويضم محافظتي تعز وإب، وتهامة، ومركزه محافظة الحديدة، وتأييدهما لإقليمي عدن وحضرموت في التمرد على صنعاء، إلا أن متابعين يرون في القرارات الصادرة بمسميات إقليمية بأنها غير مجدية وغير قانونية كون الدستور الجديد ما زال مسودة قيد المراجعة والتعديل ولم تتم المصادقة عليها في استفتاء شعبي. وفي هذا السياق، قررت السلطة المحلية والأمنية في محافظة مأرب (شرق) الغنية بالنفط «عدم التعامل مع أي توجيهات «تصدر من أي جهة «حتى تتضح الرؤية»، منددة في ذات الوقت بـ”الانقلاب على المؤسسة الرئاسية الشرعية» وحكومة الكفاءات. وأكدت في بيان صدر عقب اجتماع للسلطتين بحضور قيادات سياسية وزعامات قبلية في مأرب، تمسكها «بمخرجات الحوار الوطني وتنفيذها عمليا بما في ذلك شكل الدولة الاتحادية بأقاليمها الستة». وأقر الاجتماع إعادة تشكيل لجنة الدفاع الوطني في المحافظة «وفقا للمتغيرات والتطورات الجديدة»، مؤكدا التزام قبائل مأرب في مساندة القوات المسلحة والأمن في حفظ الأمن والاستقرار وحماية المنشآت النفطية والحيوية ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله.
إلى ذلك، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جين ساكي، أن مستقبل اليمن ينبغي أن يحدده الشعب اليمني وفقا لدستور اليمن ونتائج مؤتمر الحوار الوطني» الذي اختتم في يناير 2014 بعد عشرة شهور من المفاوضات الجادة. وصرحت في بيان بشأن التطورات الحاصلة في اليمن أن «الشعب اليمني يستحق مسارا واضحا للعودة إلى حكومة شرعية فيدرالية وحدوية بما يتفق مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي و نتائج مؤتمر الحوار الوطني و قرارات مجلس الامن الدولي و القانون اليمني، ضمن جداول زمنية محددة بشكل واضح لإنهاء كتابة دستور يمني جديد و اجراء استفتاء على هذه الدستور و البدء بانتخابات وطنية». وقالت:»تشعر الولايات المتحدة بالقلق حيال انباء استقالة الرئيس هادي وحكومته، ومن الأهمية الحاسمة في هذا الوقت أن تقوم جميع الأطراف بتجنب العنف».
وأضافت: «أمن وسلامة بعثة الولايات المتحدة على رأس أولوياتنا في اليمن، ونقوم حاليا بتقييم الوضع الأمني على الأرض بشكل مستمر، وندعو جميع الأطراف إلى الالتزام بتعهداتها المعلنة لضمان أمن البعثات الدبلوماسية بمن فيهم موظفو بعثتنا». وتناقلت مواقع إخبارية يمنية وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أمس السبت صورة تظهر موكب سيارات تابعا للسفارة الأميركية بجوار مسلحين حوثيين في شارع رئيسي بالعاصمة صنعاء.
وقال مبعوث الأمم المتحدة لليمن، جمال بن عمر، في بيان صحفي أصدره أمس السبت، أنه التقى الرئيس هادي ورئيس الحكومة، بحاح، إضافة إلى عدد من السفراء الدبلوماسيين المعتمدين لدى صنعاء، بينهم سفراء الولايات المتحدة، بريطانيا، وروسيا، وذلك في «إطار المشاورات المكثفة» التي يجرها «من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة التي يمر بها اليمن حاليا». وأكد بن عمر أنه سيستمر خلال الأيام المقبلة في بذل جهوده الحثيثة والاجتماع مع جميع الأطراف السياسية المعنية من أجل مساعدة اليمنيين على إرجاع العملية السياسية إلى مسارها الصحيح».
المصدر: عقيل الحلالي (صنعاء) – الاتحاد