خاص لـ هات بوست:
تنص رسالة حملتها وسائل التواصل الاجتماعي على مقارنة بين تارك الصلاة من جهة والمغتصب الزاني من جهة أخرى، ليخلص المتلقي إلى نتيجة مفادها أن الأول عند الله خارج عن الإسلام، فيما الثاني قد يكون مسلماً مؤمناً، إنما آثم يمكن له أن يتوب.
إذا كنت تؤمن بنظرية المؤامرة، لن يتبادر إلى ذهنك سوى أن رسائل كتلك هي محض مؤامرة، الهدف منها تشويه صورة الإسلام، لتجعل منه دين يقبل المجرمين تحت رايته، فما إن تبحث لتجد أصول اعتمد عليها من صاغ منشوراته على سبيل التشجيع على الصلاة، لكنه أغفل، سهواً أو عمداً، التذكير أن المغتصب مدان لدى السلف والخلف، حتى لو كانت الإدانة بدرجة أقل من تارك الصلاة.
قد يخطر في بالك أن كل هذه الأحكام لا تطبق اليوم، فلا أهمية لها، إنما في الواقع ليس سهلاً اتهام أحد بالخروج عن الإسلام، فهذا تكفير يبيح القتل، بناءً على النصوص ذاتها التي أقرت حيثيات الاتهام، ناهيك عن الظروف التي تستجد في أي مجتمع، فتبيح مكاناً لتصرفات فردية لا ضوابط لها، فتبرر لأغرار أن يقتلوا هذا ويغتصبوا تلك، بناءً على “فتاوى” ما أنزل الله بها من سلطان.
هذا عدا عن أن العقل الطبيعي لا يمكنه الاقتناع بفوز الإجرام بحق أحد على العلاقة مع الخالق، وعليه تجد الأمر مختلفاً تماماً في التنزيل الحكيم، حيث الله لا يساء له سبحانه، إنما لا يتهاون في حقوق عباده، فيحاسب على كل شر نرتكبه بحقوق الآخرين مهما بلغ من الصغر {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة 8).
وإذ اختُزِل الإسلام الموروث بشعائر لها شكل محدد، تعتبر غطاءً يمكن الإنضواء تحت مظلته، انفتح إسلام التنزيل الحكيم على الناس جميعاً بشرط الإيمان بالله (صلة) واليوم الآخر والعمل الصالح {ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، وجعل الإيمان بالله شأنك الخاص، ومشيئة الله في خلقه هي أن يكون الناس مختلفين في إيمانهم وعدمه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس 99)، على أن يحاسبوا يوم القيامة على اختياراتهم.
وإذا كان التنزيل الحكيم قد توعد من قطع صلته بالله بأن يحاسب في الآخرة، فقد اعتبر “الإجرام”، عكس “الإسلام”: {أفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (القلم 35)، فقوام الإسلام هو العمل الصالح الذي يتنافى مع أي جرم يرتكبه الإنسان بحق أخيه الإنسان، وعليه نفهم قوله تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ* وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (القيامة 31 – 32).
والشعائر نؤديها فنتقرب من خلالها إلى الله، كل وفق ملته، لا يحاسبنا عليها أحد، ونحن المسلمون المؤمنون برسالة محمد بن عبد الله (ص) نقيم الصلاة الشعائرية خمس مرات في اليوم ونصوم رمضان ونحج البيت ونتصدق كما أمرنا، كأركان رئيسية لإيماننا، طواعية دونما إكراه، والله تعالى في كتابه الكريم وعدنا بالأجر والثواب عليها لكنه لم يذكر لنا عقاباً على تركها، والرسول (ص) حين أقام دولته في المدينة ربما عاقب السارق والسكران والزاني لكنه لم يعاقب أحداً على ترك صلاة أو صيام، فالقيم الأخلاقية هي الركن الأساسي في الأسلام، والمحرمات واضحة لا لبس فيها، والصراط المستقيم الذي سنحاسب على أساسه هو مجموعة وصايا أخلاقية لا يمكننا مخالفتها {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ – -ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ –* ولَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ —-ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ —* وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ — } (الأنعام 151- 153)، والله تعالى قد توعد من يرتكب الزنى بالخلود في العذاب فما بالكم بالإكراه الذي يستبيح نفساً فيترك عليها وشماً لا يشفى.
تخيل معي أيها القارىء الكريم، أي تقول على الله أن تبيح قتل تارك الصلاة فيما تعتبر أن المغتصب يمكن أن يغفر له، أي انتقاص من عظمة الله ورحمته.
أما القول أن عقوبة تارك الصلاة لا تطبق اليوم فيما تطبق عقوبة المغتصب، نعم لكن المنطق هنا مفقود، حين يتم الترويج لمقارنات كهذه، فالموضوع أكبر من منشور صغير، إنما تكريس الإهتمام بالقشور دون اللب، الشكل دون المضمون، بحيث تصبح إقامة الصلاة غطاء يمكن أن ترتكب تحته عظيم الآثام، بذريعة أنها لن تخرج صاحبها من الدين، بل يبقى باب التوبة مفتوحاً أمامه.
في كتاب الله نحن مدعوون للتفقه والتدبر والتعقل، وفيما يعود فقه العنعنة للطفو على السطح، علينا مراجعة ما يلصق بالإسلام زوراً وبهتاناً، فهناك جيل صاعد يتلقف ما يراه ليعيد معالجته في الأذهان، ليبيح قتل هنا واغتصاب نساء هناك، تحت مسميات مختلفة، لا تمت للإسلام بصلة، وإنما لتفلت وإجرام لا أكثر ولا أقل.