مدير تحرير صحيفة الجزيرة
نحسب أن الشيخين لا يجتمعان على ضلالة، وأن أفعالهما ليست طيشاً وارتجالاً، إنما ربما تغيب عن أذهاننا دلالاتها ومعانيها. ونحسب أن أفعالهما الصادمة لما ألفناه من قواعد ومعايير غايتها تحفيز الأذهان وتنشيط العقول للتفكر والتدبر في الأمر.
نعلم علم اليقين أنكما لا تجتمعان على ضلالة، وأن أي درب تختارانه – وإن بدا غريباً وشاذاً ومخالفاً لكل منطق – ففيه صلاح الأمة ونجاتها، وإن استحال تحقيقه حتى لو عبر خرم إبرة.
يا شيخنا، حين أهدى تلميذكم الشيخ النابه العريفي المذيعة علا الفارس من قناة «mbc» أصابنا ارتباك كبير وحيرة عظمى، فما نعلم إلا أنها مذيعة متبرجة متبنطلة، في قناة فاسدة مفسدة لم نختلف على فسقها يوماً، باستثناء أيام ظهورك فيها. ثم إن العريفي سبق أن حذّرنا من هذه القنوات ووصفها بالفساد، ودعانا نحن المريدين المخلصين إلى مقاطعتها ومقاطعة الشركات المعلنة، لأجل كسر شوكتها وإخماد جذوتها، فكيف جاز له أن يهدي مذيعتها الهدايا؟ هل «يتابعها»؟ وما الذي وجده فيها غير ما نعرف؟
شاهدنا يا شيخنا جميع مقاطع المذكورة، فلم نجد إلا تبرجاً واختلاطاً لا يرضاهما مسلم من العوام، فكيف بشيخ صدح بالحق وأعلن معارضته لكل فسق ومجون؟
تشاورنا حينها في الأمر، واتفقنا أن لا حراك حتى يأتينا من فضيلتكم قبس، فإما أن نسمع ونطيع وإما أن نرفض ونستنكر، باعتبار أن ذوي الفضل الذين لم يذوقوا سجناً يغلب عليهم التسرع والحماسة، ثم إنه ضمن قائمة تلاميذك الصغرى، فلا نخاطبه في حضورك، ولا نشرك اسمه بك.
يا شيخنا، التزمنا الصمت ترقباً لرأي حاسم، مثلما فعلتم مع «العاهرات» اللاتي قدن السيارات عام 1990، فأحرجتم الحكومة حتى فصلتهن جميعاً، من ساق منهن ومن أدرج اسمها خطأ وبهتاناً، لكننا صعقنا حين وجدناكم تهدون هذه المذيعة ثم تدرجونها ضمن بناتكم، إذ لا رابط في الاسم أو السلوك، بحسب منتهى علمنا ومعرفتنا.
باعتبارنا من المريدين المخلصين رفعنا الراية وأقررنا بالسمع والطاعة «في العسر واليسر، والمنشط والمكره»، وإن خفي علينا المقصد. وآمن بعضنا بقوة منطقكم وصحة دربكم حين وجدوا هذه المذيعة تقدح في قضائنا وتقع فيه، فقالوا لعلها بوابة الصحوة واقترابها وزميلاتها من دائرة الصلاح والحجاب فينصرنا الله على الخصوم بهاته النسوة، ويجعل زوال هذه المحطة من الداخل وعلى أيدي مذيعاتها، فكأنما تنكث غزلها.
يا شيخنا، حين ولجت مع العريفي في مهاداة علا الفارس طفقنا نبحث عن الخصائص الفريدة لها حتى تجتمعا على الترويج لها خصوصاً، فلم نزدد إلا حيرة وارتباكاً، إذ قصرت أفهامنا عن بلوغ الغاية واستكناه السر في ذلك، مع شديد خشيتنا أن تغري هذه الهدايا نحو 13 مليوناً من «التابعين» الذين سيجدون عذراً شرعياً لمشاهدة هذه المذيعة، وربما يجرفهم ذلك إلى إدمان هذه القنوات والاستمتاع بسمومها.
هل يجوز لنا يا شيخنا أن نطلق على هذه الحقبة «موجة المذيعات»، باعتبارها من الطرق المبتكرة في اجتذاب الضائعات إلى حضن الطاعة؟ وهل يجوز لنا أن نهدي جميع المذيعات أم نتوقف عند علا وحدها كما فعلتَ، أم ندرج معها سهير القيسي وفقاً لطريقة تلميذكم العريفي؟ وما مفاتيح هذا الباب الدعوي حتى نرمي بثقلنا إليه ونتكاتف على الإهداء فيه؟ وهل الغاية استجلاب «تابعين» جدد من المنضوين تحت رايتها والساعين في ركابها؟
كان عهدنا بمشايخنا التقليديين أن مواقفهم ثابتة ورؤيتهم واحدة، لا يحدثون فيها مع تغير الأحوال وتبدلها. مضى هذا الزمن فأصبحنا كثيري الانتقال، نعادي اليوم خطاً أو شخصاً ثم نصالحه، وننهى عن سلوك ثم نندفع إليه. نحن لا نعترض، إنما نتلمس التوجيه والإرشاد. فهلا مننتَ علينا به لتطمئن نفوسنا وتنطفئ حيرتنا؟
المصدر: الحياة