ــ عضو هيئة التدريس بكلية التربية ـ جامعة الإمارات ــ حاصل على الدكتوراة من جامعة جنوبي كاليفورنيا و الماجستير من جامعة جورج واشنطن ــ عميد سابق لوحدة المتطلبات في جامعة الإمارات ووكيل لكية التربية ــ من أبرز كتبه: المنهاج و أراء في التربية
التاسع عشر من رمضان في كل عام موعد لا ينساه أهل الإمارات، ففيه من عام 1425 الموافق 2 نوفمبر 2004 للميلاد، فقد الوطن الزعيم الذي أسسه وأشرف على نهضته، إنه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ذلك الاسم الذي أينما ذُكر كان محل ثناء من الجميع، حتى مَن لم يعرفه يذكره بالخير لكثرة من ذكره. فلماذا لا يزال اسم الشيخ زايد في قلوب أهل الإمارات رغم تقادم السنوات؟ ثمة معانٍ لابد أن يتأملها كل إنسان، فالشيخ زايد بحكمته عرف أن الاتحاد قوة، فقبْل انسحاب البريطانيين من المنطقة اجتهد هو وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لإنشاء الاتحاد التساعي الذي يضم إضافة للإمارات مملكة البحرين ودولة قطر، لكن القدر كان له أمر، وكان الشيخ زايد رحمه الله ذا نظر ثاقب، فإمارة أبوظبي هي الأغنى والأكبر بين الإمارات، وكان بالإمكان أن تصبح دولة مستقلة، لكن الشيخ زايد أبصر أمراً غير ذلك، فـ«الاتحاد قوة» شعار نعرفه نحن العرب ونتغنى به، لكن التاريخ المعاصر يؤكد أن زايد هو من طبّقه وعمل على نجاحه رغم كثرة التحديات التي واجهته، والتي أفشلت كل مشاريع الوحدة العربية الأخرى، لكن لأن القائد في الإمارات كان الشيخ زايد، فقد نجحت تجربتها الوحدوية نجاحاً لا نظير له.
الشيخ زايد الذي خبِر حياة الفقر التي مرت بها المنطقة، وكان يستدين لكي يعين الناس، أدرك أن الإنسان هو الركيزة الأساس لتنمية البلاد، فأمر مبكراً بتعميم التعليم والصحة في ربوع الإمارات، لأن الإنسان المتعلم هو الثروة الحقيقة للإمارات، ونحن اليوم نجني ثمار ذلك التقدير السليم.
القلب الكبير والنية الصادقة كانا من سمات الشيخ زايد رحمه الله، فمن خالطه أحبه ومن تعامل معه شعر بأن همه يتجاوز جغرافيا الوطن، لكنه كان يفعل كل الخير دون ذكر وتمجيد من الإعلام، فكثيرة هي مشاريعه النبيلة التي لم يعرفها الناس إلا بعد وفاته رحمه الله، وهي سمة تشرح السر وراء دعاء الناس لزايد في الخفاء والعلن. فغيره من الزعماء تسبق أجهزة الإعلام كل مشاريعهم التي ينوون فعلها، وإن لم ير الناس منها غير اسمها! لكن زايد رحمه الله خلدت مشاريعه اسمه في سجل الخالدين، وفي هذا درس لنا جميعاً، فتاريخ الإنسان يبدأ عندما يموت، فماذا سيقول عنا هذا التاريخ؟ وماذا قدمنا للوطن من مواقعنا المختلفة؟
لقد نجح الشيخ زايد في قيادة سفينة الاتحاد في بحار لا ترحم، لكنه آمن بفكرة ونجح في تحقيقها. ومن أهم نجاحات القائد إعداد قادة يحملون الراية من بعده، وهذا ما نعيشه الآن في بلد الأمان وتحقيق الأحلام. إنها دولة الإمارات التي يعتز كل مواطن بالانتماء إليها ويتمنى جل العرب استنساخ تجربتها، يقودها اليوم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وله كل العون من إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين، ظل شعارهم «البيت متوحد» عندما انقسمت قلوب العرب واضطربت دولهم، فمرت تلك الحقبة على الإمارات برداً وسلاماً، لأن زايد وإن رحل عنا جسداً، فإن روحه وعقله وفكره.. ورثتها القيادة من بعده، الوطن همها، والمواطن ملخص أهدافها.. قيادة تستحق صدق الولاء لأنها نجحت في جعل راية الإمارات عالية في السماء.
وفي رمضان تتجدد الذكرى ويتجدد منا الدعاء، اللهم ارحم الشيخ زايد، واجعل آخرته خيراً من دنياه. اللهم أمين.
المصدر:الاتحاد