كاتب وإعلامي سعودي
لا أعرف كيف ابدأ بالحديث عن الصديق العزيز والمثقف والإنسان محمد علوان، فعلاقتي الشخصية تمتد لعشرات السنوات وأستطيع أن أصفها بأنها من أجمل العلاقات الإنسانية التي عشتها في حياتي، فعندما تخرجت من قسم الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة في الثمانينيات الميلادية في القرن الماضي تعينت في وزارة الإعلام في إدارة المطبوعات بالإعلام الداخلي بالرياض وعملت لفترة قصيرة بمكتب المطبوعات بمطار الملك خالد الدولي، بعدها انتقلت للوزارة في قسم المصنفات الفنية والتي كان من حظي أن يرأسها أبو غسان الاستاذ محمد علوان، نعم كنت متابعاً للثقافة والكتابة في المملكة من خلال الملاحق الثقافية والكتابات الصحفية وأتذكر تعرفي على كتابات أبو غسان من خلال مقالاته في مجلة اليمامة وجريدة الرياض، لن أتحدث عن القاص محمد علوان ولكن ما أعرفه عنه من خلال هذه العلاقة الطويلة الممتدة أنه مخلص للقصة القصيرة في مرحلة مررنا فيها باكتساح الرواية تأليفاً وانتشاراً إلا أنه ظل صامداً لها ومبدعاً فيها من خلال مجموعات قصصية أستطيع أن أقول إنه منحاز في شخوصها للمهمشين في المجتمع.
أستطيع أن أقول إن المجتمع كان محظوظاً أن كان الرقيب على ثقافته من نوعية محمد علوان في وقت كانت الثقافة الجادة وخاصة ذات التوجه الحداثي تواجه بالتضييق والمصادرة من قبل تيار تلك الفترة، أتذكر أن إدارة المصنفات الفنية التي كان يرأسها علوان في تلك الفترة من بعض مهامها رقابة الأفلام والتسجيلات الغنائية وكلنا يعرف أن محلات الفيديو المنتشرة في مدن المملكة كانت هي من النوافذ المهمة لثقافة الأفلام والأغاني بكل أشكالها العربية والأجنبية والبعض يعتقدون أن إدارة المطبوعات هي من أدوات القمع الفكري للإبداع في مجتمعنا ولكنني أستطيع أن أقول إن من يقود تلك الإدارات المتخصصة بالرقابة سواء على الكتب والصحف والمجلات والأفلام هم ثلة من المثقفين مثل محمد علوان وعبدالكريم العودة في مرحلة معينة وحسين علي حسين وعبدالرحمن الشهوان وبقيادة محمد الخضير وغيرهم كثر.
علاقتي مع أبي غسان علاقة تطورت من رئيس ومرؤوس الي صداقة إنسانية جميلة حتى اليوم بعد تركنا للوظيفة ولا يمكن أن أقول إن هذا حدث معي فقط، بل مع أغلب الزملاء ممن عملنا في إدارة المصنفات الفنية ظل أبو غسان حتى اليوم هو نقطة الوصل بيننا بعد أن تفرقت بيننا سبل الحياة.
أستطيع أن أقول إن محمد علوان من الأصدقاء الأوفياء المشبع بالحس الإنساني العالي فهو دائما سباق للمساعدة في قضايا كثيرة بدون الطلب منه، أتمنى أن يحظى أبو غسان بالتكريم وأن يكون له دور على الأقل في مشهدنا الثقافي الرسمي من خلال وزارة الثقافة في أفرعها المختلفة وخاصة في قضايا القصة القصيرة والرواية. تحية إنسانية صادقة كلها غبق من الذكريات الجميلة من الدور الثاني من قسم المصنفات الفنية الذي كنا نصبح ونمسي على وجهه المبتسم دائماً وكم قدمنا وعرفنا على كثير من المثقفين والفنانين في ذلك المكتب الزجاجي الصغير.
هذا المقال بتاريخ الجمعة/السبت 25 يونيو 2021
المصدر: الجزيرة