أكد الباحث والمحاضر في الأرشيف الوطني بوزارة شؤون الرئاسة،عبد اللطيف الصيادي، أن إقدام جماعة التمرُّد الحوثية على مهاجمة سفينة المساعدات الإنسانية الإماراتية «سويفت»، أثناء إبحارها بالقرب من ميناء المخا اليمني عبر مضيق باب المندب، يؤشِّــر إلى دخولهم مرحلة الاحتضار السياسي والعسكري.
وقال الصيادي: إن مُهاجمة الحوثيين لسفينة المساعدات الإنسانية الإماراتية وتعريض حياة المدنيين المسالمين للخطر ليسا بِدعاً من أعمالهم العدوانية تجاه الشعب اليمني والجوار الجغرافي، إلّا أنَّ إقدامهم على إتيان مثل هذا العمل الإرهابي في شريان ملاحي حيوي لدول العالم قاطبة ومحكوم بأعراف ومــواثيق دولية تضمن حــرية الملاحة الآمنة فيه، يؤشِّــر إلى دخولهم مرحلة الاحتضار السياسي والعسكري.
وأضاف أن هذه الفئة الانقلابية السُّلالية المتمترسة خلف دعوى الانتساب لـ«آل البيت»، التي ترى في حُكمها لليمن «تفويضاً إلهياً» غير قابلٍ للنقاش – قد استمرأت التغوّل على مبدأ: «الشرعية» بوجهَيهِ الوطني والدولي؛ إذ لم تكتفِ بفعل الاستلاب السياسي للسُّلطة المنتخبة من قِبل الشعب، ولا بتدمير ما تيسر له تحقيقه من مُنجزٍ حضاري طوال عقود خَلَت، وإنما نجدها تتوسّع في عدوانها لتصل حدّ الإضرار بالأمن والسلم الدوليين، بتهديدها الملاحة الدولية في مضيق «باب المندب»، الذي يُعدُّ أحد أهم الممرات المائية في العالم، بوصفهِ همزةَ وصلٍ بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي، ويمر عبره الجزء الأكبر من الصادرات النفطية والسلع المختلفة إلى دول شمال إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وأكد الصيادي أن التوصيف القانوني الدقيق للعملية الإرهابية الحوثية ضد سفينة المساعدات المدنية الإماراتية في باب المندب، يعدّها خرقاً سافراً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وجريمة حرب واضحة وفق أحكام القانون الدولي الإنساني، فالمادتان (37 – 38) من الاتفاقية المذكورة تكفلان لدول العالم كافّة حُرّية الملاحة في المضايق الدولية، بتطبيق ما يُسمّى: «نظام المرور العابر»، الذي يَمنح الدُّوَل حُرّية الملاحة والتحليق فـي المضايق الدولية بغــرض العبور المســتمر والمتواصل والسريع دون توقّف، ويُلزِم الدول المطلِّة على هذه المضايق – حتى وإن كانت تقع في مياهها الإقليمية – عدم إعاقة المرور العابر للسفن العالمية، بل والإعلان عن أية أخطار على الملاحة البحرية فيها تكون على علم بها. وقال «فكيف – والحال هذه – إن كان العمل العسكري ضد السفينة الإماراتية صادراً عن حركة تمرُّد غير شرعية، وموجّهاً ضد ناقلة مدنية مُبحرة بصورة عابرة ومتواصلة في مضيق دولي عام يَخضع نظام المرور فيه لأحكام الاتفاقية المذكورة، التي تُوجبُ على اليمن عدم إعاقة عبور السفن الدولية المارة عبره إلى مختلف دول العالم».
وأوضح أن العمل الإرهابي للمتمردين الحوثيين ضد السفينة المدنية الإماراتية، لا يقتصر على تهديدهم للسلم والأمن الدوليين، وانتهاكهم لمبدأ حرية الملاحة في المضايق الدولية، وخرقهم لنظام المرور العابر اللَّذَين أبانتهما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 فحسب، وإنما يُمكن إدراج فعلتهم تلك ضمن «جرائم الحرب»، بوصفها تُمثِّل انتهاكاً لأعراف الحروب، وخرقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني المشار إليها في اتفاقية جنيف الرابعة المبرمة عام 1949 المعنية بحماية المدنيين وقت الحرب، وبروتوكول جنيف الأول المــــبرم عـــام 1977 المتعلق بحمــاية ضــحايا النزاعـــات المسلحة، التي تقضي جميـعها – ضمن أمور أخرى – بوجوب التزام الأطراف المتحاربة بضمان حماية الأشخاص غير المشاركين في العمليات العسكرية أو أولئك الذين لم يعودوا طرفاً في الأعمال القتالية.
وقال «لقد بات لزاماً على الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي أن تواكب أعمالها العسكرية بأعمالٍ قانونيةٍ ناجزة، بتفعيل الشِّق الجنائي لجرائم المتمردين الحوثيين الموجهة ضد الأشخاص المسالمين والأعيان المدنية التي لا يجوز تدميرها أو الاستيلاء عليها أو إبطال مفعولها كلياً أو جزئياً؛ بوصفها أعياناً مدنية لا أهدافاً عسكرية، بحُكم طبيعتها وموقعها والغرض من استعمالها، ومن ضمنها سفينة المساعدات الإماراتية، وستكون أول خطوة جادَّة يتوجَّب على تلك الدول المعنية اتخاذها في هذا الاتجاه هي: رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أولئك المتمردين، منعاً لإفلاتهم من العقاب، وردعاً لهم عن القيام بأية مغامرات عسكرية بحرية ضد المدنيين والممتلكات الحكومية والسفن الدولية المارَّة بالقرب من السواحل اليمنية»، مؤكداً أنها ستكون دعوى فاعلة ومهمة، لما سيترتب على نتائجها من آثار سياسية وقانونية حاسمة، لا سيما وأنَّ المحاكم الوطنية اليمنية أضحت غير قادرة على القيام بواجباتها القضائية في ظِلِّ هيمنة الانقلابيين عليها، فضلاً عن عدم قُدرة الحكومة اليمنية الشرعية على أداء واجباتها وتنفيذ التزاماتها الدولية في الوقت الراهن.
وأضاف أن ما يؤكِّد مدنيَّة السفينة الإماراتية، ويكشف خواء ادّعاء المتمردين الحوثيين صبغتها العسكرية، هو عجز طاقمها عن رصد الخطر والتحوّط لأي هجوم معادٍ أو التمكُّن من مواجهته؛ لأنَّ هذه السفينة بطبيعتها غير مُجهَّزة عسكرياً للقيام بمثل هذه الأعمال؛ بدلالة اقتراب المهاجمين منها مسافة تُقدَّر بمئات الأمتار فقط ثم قصفها بالصواريخ دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها بأية وسيلة كانت؛ وهو ما أثبتهُ مسلك المتمردين حين قاموا بتوثيق هجومهم المشين من مكان غير بعيد منها، ثقةً منهم باستحالة تمكن طاقم السفينة من الرد على عملهم الإرهابي، فضلاً عن عدم اكتراثهم بمصالح دول العالم في تأمين سلامة الملاحة الدولية وحركة السُّفن في مضيق باب المندب بصورة عامة.
وقال الصيادي إنه بات من الصعوبة بمكان إخراج وعي الحوثيين سِلماً من ربقة أساطير «بطولاتهم» الزائفة بقتلهم المدنيين الأبرياء وتدمير الممتلكات العامة والخاصة – إن في البر أو في البحر – ولذلك فقد آن الأوان لدول العالم أن تتحوّط لأية مغامرة حوثية عتيدة قد تتسبب في تمدُّد الصراع إلى منطقة مضيق باب المندب؛ لأن سيناريو كهذا يُعدُّ ضمن استراتيجياتهم الكبرى للزجِّ بالمنطقة العربية برمّتها في أتون حربٍ طويلة تُحيلها إلى مِزَق وأشلاء، خدمةً لأهداف المشروع الصفوي الكبير باستعادة «أمجاد فارس» الغابرة في بلاد العرب.
المصدر: الإمارات اليوم