كاتب سعودي
قد يتحمل الإنسان إلى حد ما اضطراره لقضاء شهر رمضان خارج وطنه في دولة عربية أو إسلامية يجد فيها رائحة رمضان وبعض طقوسه التي اعتادها حتى وإن كانت روحانية وحميمية وطنه لن يجدها في أي مكان، لكن التعب النفسي والجسدي أن يأتي رمضان والإنسان في بلاد بعيدة غريبة نهارها يصل إلى 18 ساعة أحيانا، وأيام الشهر مثل غيرها من الأيام. صحيح أنه اختبار حقيقي للأعصاب والنية والقدرة على التحمل، لكنه صعب وأصعب ما فيه الحنين.
أشياء كثيرة سأفتقدها في هذا السكون والنهارات الطويلة والليالي القصيرة جدا، وحتى إن كان الوطن بكل مافيه يمكن متابعته الآن بالصوت والصورة إلا أن الرائحة والطعم وخصوصيات ومفارقات رمضان لا يمكن الشعور بها إلا في ذات المكان. الناس والملامح والسحنات الرمضانية المتجهمة نهارا والضامرة عصرا والمبتهجة ليلا لن نراها هنا إلا بالصدفة المحضة النادرة.
باديء ذي بدء افتقدت المتابعة اللصيقة للجدل الذي يحتدم قبل دخول رمضان حول تحديده علميا بواسطة المراصد الفلكية أو بالعين المجردة التي ربما أكلتها بقايا التراخوما أو غطتها سحابة الكتراكت. إنه موسم أستاذنا حمزة المزيني وقضيته الدائمة التي لم يفلح في كسبها رغم نضاله وبراهينه وحججه. سيستمر تحديد رمضان يا عمنا حمزة بنفس الطريقة المتبعة منذ قرون خلت ولكن قضيتك ستظل جزءا من طقوس ما قبل رمضان التي نحرص على متابعتها.
وأيضا افتقدت متابعة تكرار تعاميم وزارة الشؤون الإسلامية بخصوص خفض أصوات المايكروفونات في صلاة التراويح لتناسب روحانية الصلاة وتقلل من ضجيج التداخل بين المساجد، وهي التعاميم التي لم تنفذ منذ سنوات ليستمر الحال على ما هو عليه، بعناد وإصرار على رفع الصوت إلى أقصى حد.
سأفتقد الدوائر الحكومية شبه المعطلة وشبه الفارغة و (النفوس الشينة) للموظفين في وجه المراجعين الذين أصبح لديهم عرف بتأجيل أي معاملة إلى ما بعد رمضان. سأفتقد منظر الهجمات على الأسواق الغذائية وكأننا مقبلون على حرب كونية تتطلب تخزين أكبر كمية من الغذاء. سأفتقد ذروة فلتان الأعصاب عصرا في الشوارع وشتائم البعض لبعضهم واستغفارهم. أشياء كثيرة سأفتقدها ولكن ما باليد حيلة.. وكل عام وأنتم بخير.
المصدر: عكاظ