خاص لـ هات بوست:
يُعدّ شعر الأمير خالد الفيصل ظاهرةً جماليةً وفكريةً متفرّدة في الشعر العربي الحديث، لكونه ينتمي إلى الوعي قبل الانتماء إلى المدرسة، فهو لا ينشغل بتقنيات القول بقدر انشغاله بالمعنى الكامن في التجربة الإنسانية، تتجاوز قصيدته العاطفةَ لتلامس الوعي الأخلاقي والفلسفي، إذ تتحول اللغة إلى مرآة للذات الباحثة عن توازنها، إنّ القيمة الحقيقية لشعره تكمن في القدرة على تحويل البساطة إلى تأمل، والوجدان إلى فكر.
إنّ (دايم السيف) شاعر يمارس الشعر كفعلٍ معرفيٍّ، وكأن القصيدة عنده أداة تفكير وجوديّ، تُسائل الإنسان لا تُزيّنه، وتواجهه لتقدم فلسفة عميقة، فباتت كلماته تؤسس لحالةٍ معرفية يتماهى فيها الحدّ الفاصل بين الحلم والوعي، كأن لغته الحالمة نفسها تفكّر في يقظتها ومنامها، لتتحول بعد بزوغها إلى نور يضيء زوايا النفس، وإلى موجٍ يهمس في صمت الزمن، في قصائده التي تنساب عبيراً يليق بألق عاطفته لم تكن مجرد نص تنقصه الروح ، بل رحلة بين أفق الذات وعمق الكون، بين حرارة الحب وصرامة الكرامة، بين شغف الروح وواقع الحال.
عبقرية عاطفته تكمن في تنوع أبعادها وعمق خباياها، فهي تلتقط نبض الطبيعة، ورفرفة الطيور، وهمسات الريح، كما تلتقط نبض الإنسان وهواجسه، كل قصيدة أشبه بجسر بين زمنٍ غابر وأفقٍ مستقبلي، بين الجذر والأفق، بين الهوية والحرية، عاطفته تجمع بين البداوة والتمدن، بين حنين الروح وانفتاح العقل، فتتحول الكلمات إلى أجنحة تطير بالإنسان فوق حدود ذاته، نحو فضاءات أكثر عمقًا واتساعًا، إنه يعيد ترتيب العلاقة بين الإنسان والمكان في ضوء القيم الكبرى، يرعى الوجود بالكلمة، من منطلق أن الإنسان يرعى الوجود كما يرى هيدغر، ومن-هنا- كان اهتمامه بالصحراء رمزاً لتوق الإنسان إلى الأصل الأول، والبحث عن الجوهر، وحنينه إلى الصفاء غير مشوب بصراع المدنية والحضارة.
لغة الأمير الشاعر تتلألأ بالضوء والظل، بالإيقاع الساكن، بالهمس والصوت الذي تعذب معه الكلمات، كما لو كانت موسيقى خفية لكل معنى ولكل شعور، كل كلمة تشكّل قطرة ضوء تسقط على صفحة الليل، وكل صورة كنجمة تتلألأ في سماء التجربة الإنسانية، وكل مشهد شعوري كمرآة تعكس الذات والعالم معًا، فتتحول مفردات شعره إلى خيال مجنح يستدعي التأمل فيما يحتويه من حكمة، ووجدان يكتنفه شعور بالجمال المطلق.
تسكن في شعره حالة (وعي جمالي وأخلاقي) ولذلك تظل كلماته في حوارٍ دائمٍ لتوظيف الشعور في خدمة الرؤية، بل إنه تجاوز مفهوم البنى اللغوية إلى تشكيل صور تتجاوز الوصف إلى إنتاج الدلالة، فغلب على شعره عنصر الوضوح مع ضبط للمعنى دون أن يفقد عمقه.
الحب في شعر الفيصل ليس مجرد صدى قلب، بل نهر يتدفق عبر وعيه، يسقي الأرض والعقل والروح، ينعش العاطفة، إنه يكتب ليصنع من الحب تجربة كونية، حيث يصبح الانفعال نافذة يطل منها الإنسان على معاني الحياة، ويكتشف فيها ذاته بين صخب العالم ورصانة الصمت.. استطاع بقدرته الشعرية، وامتلاء فنه بالمعنى أن يفهم حاجة المتلقي إلى التميز، من خلال تبني (منهج عاطفي عميق) مختلف، أراد من خلاله تحرير الإحساس من جمود القول، فغدت العاطفة عنده ذات مسار فلسفي تشكّل أداة وعي لا مجرد انفعال عابر، وتجاوزت حدود البوح إلى بناء معنى جديد للحياة.
إن شعر الفيصل يمثل مشروعاً إنسانياً يُعيد ترتيب الكلمة، ويمنح المعنى ظلالاً وارفاً، يكتب لا ليطرب فحسب وإنما ليربط بين الجمال والعاطفة الجياشة، إنّ شعره بحق مشروع يُعيد للإنسان لغته، وللكلمة إنسانها، وللشعر معناه ومبناه، إنه يستدرج عاطفتك ووجدانك من حيث لا تدري..!
