قاتل الله صراعاتنا السياسية كم أخرتنا كثيراً! انظر في خارطة العنف و التخلف الاقتصادي والفقر وكل مشكلات الدنيا تجد المسلمين اليوم في قلب التراجع. وتلك نتيجة طبيعية لإهمال التنمية وتقديم صراعات السياسة وألاعيبها. ولهذا تبقى أمنية أن تعقد قمم عربية أو إسلامية تدعم التضامن التنموي والعلمي بين المؤسسات العربية والإسلامية.
يؤسفني أن أعترف بأن تلك أمنية «مثالية» وغير واقعية. فكيف يتحقق تضامن علمي وتنموي في ظل الصراعات السياسية والأزمات الداخلية في أغلب البلاد الإسلامية؟ وكيف يتفرغ للتنمية من شغله الشاغل كيف يحتكر المزيد من السلطة؟
لكن حقيقة العصر أن من يؤخر مشاريع التنمية لن يتقدم سياسياً. ومن شروط قوة الدولة خارجياً أن تكون قوية في الداخل. وكيف تكون الدولة قوية في الداخل إذا كان الاستبداد والفساد والفقر والبيروقراطية والعنصرية والطائفية وضعف التعليم أمراض متفاقمة تنخر في جسد الدولة؟
كيف ننتصر في الخارج إن كنا أصلاً مهزومين في الداخل؟ ولماذا كلما بحثنا عن نماذج نجاح تنموي في العالم الإسلامي قد لا نخرج عن تجربتي ماليزيا وتركيا؟ وإن كانت حساسيتنا عالية تجاه قراءة تجارب النجاح التنموي في أقصى الغرب أو أقصى الشرق، فلماذا لا نقرأ في تجارب النجاح القريبة منا لعلنا نتعلم أسرار النجاح ونأخذ بأسباب التفوق والتميز؟
المجتمعات التي تحقق لها «سلم أهلي» يضمن لها حرية حقيقية في التفكير والإبداع، مع مؤسسات حقيقية ضامنة للمكتسبات صارمة في المحاسبة وتطبيق القوانين، هي مجتمعات منتجة وفاعلة وقادرة على المنافسة. وما دمنا منشغلين بحروبنا الطاحنة للخلاص من الطغيان والاستبداد، كما هي الحال اليوم مع بشار الأسد، فكيف ومتى نتفرغ لأسئلة التنمية وتحدياتها؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٤) صفحة (٢٧) بتاريخ (١٤-٠٨-٢٠١٢)