توافد البريطانيون بكثافة أمس، على مكاتب الاقتراع للمشاركة في استفتاء تاريخي حول بقائهم في الاتحاد الأوروبي أو مغادرته، في حين يحبس الأوروبيون ومعهم أسواق المال العالمية الأنفاس بانتظار النتيجة التي ستكون لها تداعيات على مجمل القارة القديمة. وفيما تبدو المنافسة محتدمة بين معسكري البقاء والمغادرة، ساهم استطلاع نشر أمس، خلال إجراء الاستفتاء ومنح الفوز للبقاء، في طمأنة الأسواق المالية، حيث بلغ الجنيه الاسترليني أعلى أسعاره منذ ستة اشهر مقابل الدولار.
وبعد حملة كثيفة تمحورت حول الهجرة وانعكاساتها السلبية بالنسبة إلى مؤيدي الخروج، توافد الناخبون المسجلون البالغ عددهم الإجمالي 46 مليوناً، منذ الصباح الباكر للإدلاء بأصواتهم رغم تساقط المطر في بعض المناطق ومنها لندن.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة 07,00 (06,00 ت ج) ويفترض أن تغلق عند الساعة 22,00 على أن تعلن النتيجة النهائية في وقت مبكر من صباح أمس وعندها يمكن أن تصبح المملكة المتحدة أول دولة كبرى تغادر الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه قبل ستين عاماً.
وأظهر استطلاع نشر صباح أمس، وأُجري قبل التصويت أن معسكر البقاء (52 بالمئة) يتقدم بأربع نقاط على معسكر المغادرة (48 بالمئة)، لكن مع وجود نسبة 12 بالمئة من المترددين.
وأدى نشر نتيجة الاستفتاء فوراً إلى تحسن الجنيه الاسترليني أمام الدولار واليورو في حين ارتفعت بورصة باريس ووال ستريت. غير أن الحذر يبقى سيد الموقف حيث منح استطلاعان نشرا أمس الأول، تقدماً طفيفاً لمعسكر مغادرة الاتحاد الأوروبي.
في مراكز الاقتراع بدا الناخبون منقسمين فيما عكست أقوالهم قلقاً من تبعات الخروج أو على العكس تعبر عن الفرح لفكرة الخروج.
وقال بيتر ديفيس (55 عاماً) الموظف في قطاع المعلوماتية أمام مركز اقتراع في هافرينغ شرق لندن «إن خروجنا سيكون كارثة على الاقتصاد».
من جهتها، تحسرت جون (50 عاماً) على الفترة التي كان فيها الاتحاد الأوروبي يضم دولًا أقل وأعربت عن أملها بفوز معسكر الخروج. وأضافت السيدة التي رفضت الكشف عن كنيتها «سنكون أول من يغادر (الاتحاد الأوروبي) واعتقد أن دولاً أوروبية أخرى ستحذو حذونا. أرى أن الناخبين الفرنسيين يرغبون بذلك في سرهم».
في شمال غرب البلاد، في اسكتلندا المؤيدة لأوروبا أشار بعض الناخبين إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يبرر تنظيم استفتاء آخر للاستقلال بعد استحقاق سبتمبر 2014، الأمر الذي يرغبه قوميو حزب (اس ان بي).
وقال الممرض جون جيلمور البالغ 55 عاماً في جلاسكو «سيحق للاسكتلنديين مغادرة المملكة المتحدة ليطالبوا بالبقاء في الاتحاد الأوروبي». وأدلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي خاض حملة من أجل البقاء بصوته في لندن برفقة زوجته سامانثا، دون الإدلاء بتعليق. لكنه دعا لاحقا على موقع تويتر مواطنيه إلى اختيار البقاء لضمان «مستقبل أفضل» حسب قوله.
كما صوت رئيس حزب العمال المعارض جيريمي كوربن المؤيد للبقاء، في أحد مراكز التصويت في لندن. رداً على سؤال حول فرص فوز معسكره قال ممازحاً «يمكنكم أن تسألوا وكلاء المراهنة» الذين رجحوا كفة «البقاء».
من جهة أخرى صوت نايجل فاراج زعيم حزب يوكيب المناهض لأوروبا وللمهاجرين، في كنت جنوب شرق انكلترا، وقال إن لدى معسكر المغادرة «حظوظاً وافرة» للفوز. وبحسب محللين فإن نسبة المشاركة ستكون العامل الحاسم. وكلما زادت نسبة المشاركة كلما تحسنت حظوظ معسكر البقاء في الفوز.
ويتعين على المستفتين أن يجيبوا على سؤال «هل يجب أن تبقى المملكة المتحدة عضوا في الاتحاد الأوروبي أو أن تغادر الاتحاد الأوروبي؟».
وشددت الصحف البريطانية على الطابع التاريخي للاستفتاء أمس. وعنونت «ذي صن» الشعبية المؤيدة للخروج «يوم الاستقلال»، بينما كان عنوان صحيفة «ذي تايمز» المؤيدة للبقاء «يوم الحساب».
كما تدخل جميع القادة الأوروبيين لدعوة البريطانيين إلى البقاء لأن خروج بلادهم يمكن أن يؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي.
وعبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن رغبته «بأن يأتي الخبر (اليوم الجمعة) بأنهم بقوا في الاتحاد الأوروبي، لأنه مكانهم»، الأمر الذي كانت شاطرته المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في اليوم السابق.
بالإضافة إلى ذلك حذرت كل المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى عواقب سلبية على الأمد البعيد ناهيك عن التبعات الاقتصادية الفورية.
كما أنه قد يثير اضطرابات سياسية مع احتمال رحيل محتمل لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي يجازف بمكانته في التاريخ عبر هذا الاستفتاء، ويناشد تكراراً للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
في المعسكر المنافس، يقود رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون المحافظين المشككين باوروبا.
كما ركز حزب يوكيب برئاسة فاراج حملته على الحد من الهجرة، إلا أنه أثار الصدمة حتى بين صفوف مؤيديه عندما نشر ملصقا عليه صورة طابور من اللاجئين إلى جانبه «نقطة التحول: الاتحاد الأوروبي خذلنا جميعا».
وفي محاولة لوضع حد للانقسامات داخل حزبه المحافظ، أعلن كاميرون منذ يناير 2013 انه سيجري الاستفتاء. وسط هذه الأجواء المشحونة، أثار مقتل النائبة جو كوكس قبل أسبوع على موعد الاستفتاء بيد رجل يطالب بـ «الحرية لبريطانيا»، صدمة عارمة في البلاد التي لا تزال تبحث عن أجوبة حول دوافع المأساة.
وأيا كانت نتيجة الاستفتاء فإن التركيز على الهجرة إلى بريطانيا والتي زادت بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية ربما يفاقم الانقسامات في بلد تتسع فيه أيضاً الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
المصدر: الإتحاد