العاملون بصمت

آراء

خاص لـ هات بوست :

انتهيت مؤخراً من قراءة موضوع في مجلة علمية يتحدث عن مملكة النحل، وهي مجتمع صغير في حجمه لكنه كبير في إنجازه ومبدع في تنظيمه، وملهم في حال تأمله، وما العسل الذي ينتجه النحل إلا دليلاً على ذلك.

يتكون النحل في مجتمعه من فئات على رأسهم ملكة النحل، وهي مميزة عن بقية النحل بحجمها الكبير وتتمثل وظيفتها في إنتاج البويضات فهي الوحيدة في المملكة القابلة للتخصيب والتناسل. أما الذكور في مملكة النحل فنستطيع أن نقول بأنهم يعانون من البطالة للأسف، فهم لا يملكون من المؤهلات إلا قدرتهم على تلقيح الملكة، حيث يتنافس الذكور على تلقيحها، وواحد منهم فقط يستطيع ذلك وهو بالطبع أقواهم، ولكن حياته تنتهي بعد هذا الدور البطولي.

أما أكثر ما شدني في هذه المملكة هي الفئة الأخيرة فئة النحلات العاملات، وكوني أنثى قد يراني البعض متعصبة لهن ضد ذكور النحل لكن دعوني أكمل ولكم الحكم.

 النحلات العاملات يمكن أن نشبههن بالفئات الكادحة في مجتمعاتنا البشرية فهي الفئة التي تعمل بجد ولا تريد من عملها هذا جاه أو شهرة أو مرتبة عالية في المملكة، لكنها تعمل للمملكة ومن أجل المملكة فقط،  فهن يقمن بأغلب الأعمال في المملكة حيث يقمن برعاية الصغار واطعامهم فالملكة لا تقوم برعاية صغارها، كما يقمن بتنظيف الخلية وتكوين الشمع بطريقة هندسية متقنة، وأيضا يحمون المملكة ويذودون عنها ضد المعتدين وضد أي خطر، كما يخرجن من الخلية لجمع الرحيق من الأزهار والذي يتحول في اجسادهن إلى عسل حلو المذاق مختلف ألوانه فيه شفاء للناس كما ذكر في القرآن الكريم، كل هذه الأعمال تنجزها العاملات المتفانيات في عملهن، أعتقد أن الأنثى تحمل رسالة سامية على اختلاف الأمم.

وإذا انتقلنا لعالمنا البشري فهناك من البشر من يعمل بصمت كالنحلات العاملات تماماً، ففي خضم عالمنا اللامتناهي وازدحامه بالأشخاص الطامعين لتحقيق التميز والريادة والتي هي حق مشروع للجميع، نرى أو قد لا تكون كلمة (نرى) منصفة هنا، فنحن لا نراهم وإنما نحن نلمس انجازاتهم الكبيرة والفاعلة على أرض الواقع، أقصد أولئك الذين يعملون بصمت.

 هم شخصيات تنجز بلا ثرثرة تعمل بلا توقف تنتج وتبدع بعيداً عن الأضواء، ومن خلف الستائر، لا تُسوق لنفسها مع ضرورة وجود عنصر التسويق في كل مشروع ومبادرة، لكن تركيبة شخصياتهم الهادئة تجعلهم يتناسون هذا العنصر تاركين لإنجازاتهم أن تتحدث وتُسوق لنفسها.

هذه الشخصيات ترفض البهرجة، وتفضل الهدوء والتريث ولا ضير ولا مشكلة لديها إن استغرق عملها وقتاً أطول، فتستمتع بكل لحظة عمل، باختصار هي تعمل بحب وهذا هو سر تميزها واختلافها.

من يعملون بصمت لا يفضلون الظهور فكم من إنجازات تحققت كان خلفها فرسانٌ مجهولون فضلوا البقاء خلف كواليس هذا الإنجاز بالرغم من أنهم هم السبب الرئيسي في تحقيقه على أرض الواقع.

مشاريع عملاقة، مبادرات رائدة، ابتكارات مدهشة، أعمال فنية والكثير من الإنجازات كان خلفها أشخاص مزجوا الإخلاص بالإبداع فكان نتاجهم كنجوم السماء البراقة في الليلة الظلماء.

حقيقة أقف إعجاباً وتقديراً لهذه الشخصيات، التي تعمل لا من أجل شهرة أو سمعة، لا من أجل مال أو منصب إنما تعمل بحب لرقي مؤسستها ووطنها، التفتوا حولكم وفي محيط عملكم ستجدونهم وهم في الحقيقة كُثر.

هناك معلومة ترددت في ذكرها عن النحل، لكني ومن باب الأمانة سأذكرها الآن، بعد أن ينجح ذكر واحد في تلقيح ملكة النحل يموت كما ذكرت سابقاً، لكن ماذا عن بقية الذكور؟! في الحقيقة يكونوا عبء على المملكة فهم حتى لا يستطيعون اطعام أنفسهم لعدم امتلاكهم خرطوماً طويلاً مثل العاملات لامتصاص الرحيق، لذا تقوم النحلات العاملات بالتخلص منهم بإلقائهم خارج المملكة مما يؤدي لموتهم من الجوع، أعتقد أن الأنثى تبقى أنثى على اختلاف الأمم.