خاص لـ هات بوست:
حدث أن دعا طاغور ربه ببضعة أمنيات تحمل الكثير من التضرع والرجاء، يرجوها قلب صالح عامر بالإنسانية من رب كريم، وانتشر دعاؤه فيما بعد واشتهر ضمن الروائع والحكم، وكنت قد اجتزأت منه بضعة أسطر جعلتها دعائي لله جل وعلا في العام الجديد:
“يا رب إذا جردتني من المال اترك لي الأمل، وإذا جردتني من النجاح اترك لي قوة العناد حتى أتغلب على الفشل، وإذا جردتني من نعمة الصحة اترك لي نعمة الإيمان.
يا رب إذا أسأت إلى الناس أعطني شجاعة الاعتذار، وإذا أساء الناس إلي أعطني شجاعة العفو والغفران، يا رب إذا نسيتك لا تنساني”
وأمام دعاء كهذا اخترت أن أدعو لطاغور بالسلام، فأرفقت “عليه السلام” باسمه، مما حدا بالأصدقاء لعتابي بشيء من الاستهجان، تدفعهم غيرتهم على الإسلام والرسل والأنبياء وآل البيت والصحابة، فمن هو طاغور ليجدر به نيل تلك العبارة؟
طاغور هو شاعر البنغال، قدم الكثير من القصائد الشعرية إضافة لمحاضرات وكتب في الفلسفة والدين والاجتماع، تعاطف مع البسطاء وقدم للعالم نتاجاً عامراً بالحب والإنسانية. هو لم يكن نبياً ولا رسولاً، على الأقل وفق ما نعرفه، لكنه كان رجلاً صالحاً على الأقل وفق ما نعرفه.
بحثت في الفتاوى الشرعية عن مدى جواز قول “عليه السلام” لغير الأنبياء والرسل، فوجدت آراءً متعددة، بين “لا يجوز”، و”مكروه”، أو حرمانية تخصيص السلام لعلي بن أبي طالب أو آل البيت، أو اختلاف الصلاة عن السلام، حيث لا يجوز الأولى بينما يجوز الثانية، وهكذا.
وبحثت في كتاب الله، بالمنطق والعقل، فتيقنت أني أؤمن بالله الواحد، رب الناس، إله الناس، الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، لم يميز بين خلقه جميعاً إلا بالتقوى، وأساس الحساب لديه هو العمل الصالح، والدين عنده الإسلام، دين الإنسانية كلها، لا دين الشرق الأوسط فقط، وحتى قيام الساعة، اختصر تعريفه قوله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، وإلهي عز وجل لا يضيره دعائي بالسلام لعباده الحاضرين والغائبين، فكيف لمن دعاه ورجاه، وهو خير الرازقين.
لكن الأمر يتعدى تعليقاً بسيطاً هنا أو استهجان هناك، فالموضوع الذي يجدر بنا مراجعته هو نظرتنا للإسلام، نحن المسلمين المؤمنين برسالة محمد (ص)، إذ نبخس هذه الرسالة حقها، ونحولها إلى مجموعة فتاوى تتأرجح بين يجوز ولا يجوز، نلتهي بها عن العالم وما يجري فيه، ونترك للـ “الكفار” كسب السبق في مجالات العلم والمعرفة، فيما تنخر الأمراض مجتمعاتنا التي تحلم بحل سحري، يخلصها مما هي فيه من تراجع للأخلاق والقيم لصالح كل ما هو رديء، وتراجع للمضمون لصالح الشكل، لنحتكر نحن الجنة خالصة لنا، دون غيرنا، دون أن نتوقف للتفكير بسؤال يطرح نفسه: هل يمكن لخالق هذا الكون بهذه العظمة أن يخصص الجنة لخمس أهل الأرض بأفضل الأحوال على مر العصور؟ ولماذا؟ ماذا نقدم نحن للعالم حتى نتمتع دون غيرنا بهذا التكريم؟ وهل يعقل لعدالة رب العالمين أن ترمي بالأخيار في النار لمجرد كونهم على غير ملتنا؟
لكن الإسلام الذي شرفنا الله بحمل رسالته، وفق ما جاء لرسولنا محمد (ص) في التنزيل الحكيم، هو دين القيم الإنسانية، وصاياه لكل الناس ألا يشركوا بالله ويحسنوا لوالديهم ولا يظلموا اليتامى ولا يرتكبوا الفواحش ولا يقتلوا ولا يغشوا ولا يشهدوا زوراً، ولا يأكلوا الأموال بالباطل ولا يتقولوا على الله ولا يفسدوا في الأرض، ويحسنوا لبعضهم بعضاً، ويتدبروا في خلق الله في الماضي والحاضر، ليعيشوا في سلام آمنين، لا يعنيهم من سيدخل الجنة ومن سيطرد منها، فالله أدرى بشؤون خلقه، وإذا أرادوا العمل لآخرتهم عليهم بالعمل الصالح، لكل ما فيه خير للإنسانية، وإذا أرادوا التقرب إلى الله أكثر فلكل أمة شعائرها، ولكل فرد علاقته الخاصة بالله تعالى، يعززها بنفسه دونما وسيط.
ورسالة بهذا الرقي جديرة أن تسود العالم، كرسالة للإنسانية، تعلي من شأن القيم الأخلاقية، وتقوم على المساواة فلا فرق فيها بين أبيض وأسود ولا رجل وإمرأة ولا غني وفقير، إلا بمقدار ما يقدم من خير، سواء كان هذا الخير بسمة في وجه جارك، أم رعاية يتيم أم اختراع لقاح، أم دعاء يريح النفوس.
ومع بداية العام الجديد لندعو الله بما يشاء كل منا، ودعائي الإضافي: يا رب لا تجعلني أقع في المطب ذاته فأفرز الناس إلى الجنة وإلى النار، واغفر لي زلاتي، وكلي أمل بك يا رحمن يا رحيم، فأنت القائل {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
لا أعرف كيف يصل السلام للغائبين، لكن بكل الأحوال السلام عليكم وعلى طاغور ورحمة الله وبركاته.