كاتبة سعودية
“عبدة”، هكذا شتمتها في مكان عام دون أن تستحي من عنصريتها! فأحسنت التصرف الكابتن طيار السعودية نوال هوساوي والمتزوجة من أميركي، بتقديم نموذج أكثر رقيا، يهدف لزيادة مساحة الوعي الحقوقي والقانوني، برفع قضية ضد تلك المرأة، وبحسب ما جاء في موقع “العربية نت”، فإن السيدة نوال أوكلت محامين لتمثيلها، بعد أن قامت بعمل محضر في الشرطة وثقت فيه إساءة نعتها بـ”العبدة”، وتحولت القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي حولتها بدورها إلى المحكمة.
هذا التصرف هو عين الحِكمة، فمبادلة الإساءة العنصرية بإساءة لا نفع منها سوى النزول إلى قاع عصبية الجاهلية الأولى، وأقولها بصدق، إنه مع الأسف ونتيجة لخطاب مشوه، ظل متسيدا لما يقارب الثلاثين عاما، كان له أثره السلبي في تنشئة أجيال لا تفقه في النقاش سوى الإقصاء بحجة أنك لست سعوديا “أصليا”، أو “طرش بحر”! فمن يختلف مع هذا أو ذاك في الرؤية الفقهية يُقصى من هويته الوطنية بحجة ذلك! ومع الأسف تفشى مثل هذا التلوث وأصبح أكثر سؤالا مزعجا يطرح بكثرة ونتعرض له جميعنا هو “وش ترجع أنت؟!” لتكون الإجابة بمثابة المحك لتقييم أفكارك ودينك ووطنيتك لدى السائل!
وبصراحة، العنصرية ليست داءنا وحدنا، إنها داء كل المجتمعات البشرية دون استثناء، منذ بداية التاريخ وحتى دول العالم الأول اليوم التي فعّلت قوانين صارمة للسيطرة على العنصريين قانونيا، ونعلم أنّ بيننا سعوديين عنصريين، وهؤلاء يعرفون أن الإسلام رادع لها، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل من بلال بن رباح مؤذنا ليقضي على التمايز في اللون أو العرق، ويجعل كفاءة بلال وصوته الجميل سببين لحصوله على المكانة الكبيرة كمؤذن، ومع ذلك فهُم نتيجة عنصريتهم يرون أنهم جاؤوا من عرق خالص أو كأن لديهم آدم وحواء غير آدم وحواء بقية البشر!
صحيح أن القانون بتشديد عقوبة السجن والغرامة رادع لهؤلاء الذين لا تردعهم خطبة دينية أو نصيحة، ولكنه وحده لا يكفي للحد من ذلك، فمع الأسف بدلا من أن تحد مؤسسات المجتمع من العنصرية، عززتها بطريقة مجوفة، نحو ما عُرف بقبول قضايا “عدم تكافؤ النسب” للتفريق بين زوجين في محاكمنا! والتي بدأت منذ سنوات مع قضية فاطمة ومنصور، وأيضا إعلامنا المحلي وحتى التجاري بمختلف قنواته وخاصة المرئية، يمارسون العنصرية حين حصروا جمال الشكل في اللون الأبيض والقمحي واستبعدوا اللون الأسود عن دائرة مذيعي التقديم البرامجي أو حتى التمثيل لأدوار البطولة في الأعمال الدرامية، فالكفاءة مع الأسف آخر همومهم! وهكذا ضحالة إعلامية ودرامية عززت في وعي المشاهد العنصرية بشكل غير مباشر! والمخجل أن تأتي برامج تلفزيونية تستعرض مشكلة العنصرية فيما القنوات التي تقوم عليها تمارسها!
أخيرا، أحيي نوال هوساوي على ما قامت به، أما الجهلاء ممن لا يعرفون تاريخ العبودية، فإن استعباد الناس قديما لم يقم على اللون الأسود أو العرق الأفريقي فحسب، فقد استعبد أيضا أصحاب البشرة البيضاء والسمراء، ومن مختلف الأعراق! ورغم انتهاء العبودية، لكن يبدو أنه ما يزال لدينا عبيد من نوع آخر، هم عبيد عصبية الجهل والضحالة الإنسانية!
المصدر: الوطن أون لاين