محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"
الفكر الذي يتربى عليه الناس، ويتشبعون به، يغدو مع مرور الوقت، المعيار الأوحد للحكم على حوداث الحياة، بل على الحياة نفسها، يتطورهذا الفكر ليصيرَ فلسفة و أيدلوجيا، لا يستطيع معتنقوها التفكير أو الرؤية خارج إطارها.
لذلك يقتنعون قناعة تامة، أن الحق وكل الحق، هو مع من يؤمن بفكرهم، وغيرهم بلا استثناء على خطأ، وأنهم أي أتباع فكرهم، هم الطيبون، الغيورين على مصالح مجتمعهم، الأبطال، المغاوير المضحين بحياتهم من أجل مصلحة الأمة، ومصلحة وطنهم، التى لن تتحقق إلا على أيديهم.
تجدهم يغالون في إقصاء كل من يخالفهم الرأي، ويتفنون في تشويه سمعة من يتركهم، ولديهم خبرة في تدمير كل إنجاز لم يخرج من تحت عباءتهم، ولهم وجهة نظر خاصة بالنسبة للتاريخ: فالتاريخ يتوقف ثم يبدأ من جديد مع بداية فكرهم، والعالم يتخذ منحنى جديداً في لحظة ولادة أفكارهم، فنراهم على كل منبر يمجدون فكرهم، وأبطالهم، وإنجازاتهم التى مازالت وستزال على الأرجح، حبرا على ورق، ويدافعون باقتناع ويقينٌ تام، عن أهدافهم، بخطابات إنشائية، لا تغني ولا تسمن من جوع، كلمات رنانة ترسم أحلاما وردية، تُحْمل سامعيها على التحليق في سماء خرافة المدينة الفاضلة.
من الصعب جداً، بل يكاد يكون مستحيلاً في معظم الأحيان، إمكانية إقناع مثل هؤلاء، أنه ربما ولعل وعسى، هم مخطئين في فكرهم، أو أقلةً مخدوعين، وأن الواقع مغاير لما يظنون، وأنه ربما ثمة خللٌ في فكرهم يحتاج إلى إعادة نظر. من الصعب عليهم استيعاب بأنهم لو بدلوا أماكنهم ونظروا بأعين متجردة، وبعين الناقد المحايد لفكرهم، لتمثلت التناقضات بكل وضوح أمام أعينهم، وفي حالة تحريهم الحيادية سيتمكنون أن يقارنوا بكل بساطة بين ما يؤمنون به وبين الواقع، ولربما اكتشفوا أنهم ليسوا ما يظنونه في أنفسهم، وأنهم ما كانوا يوماً أصحاب حق أصلاً، وأنهم مجرد عرائس يحرك خيوطها كبراءهم الذين يخادعونهم، وقد تصدمهم حقيقة أن من كانوا يعادونهم هم في الحقيقة الطيبون وأصحاب الحق، بينما المعتدين الظلمة، ليسوا سوى أنفسهم.
أمثال هؤلاء لن يلتفتوا للرأي المخالف لهم، لمجرد أنه نابع من الآخر، ولن يقرءوا أعمال الآخرين بتجرد، لأنها مغرضة، وعميلة، وغايتها تحطيمهم، ولن يستمعوا أبداً للأصوات القادمة من خارج عالمهم، لأنها أصوات نشاز.
ولكن ماذا سيحدث لهؤلاء إن تمكنوا يوماً من الخروج من كهف أفكارهم، الذي يرون فيه صورة مشوهة للحقيقة، بعد أن يتبدى لهم نور الحق، فيكشف لهم كم هم مخدوعين! هل سيكون بمقدروهم الوقوف مع الحق؟ والدفاع عن حقوق أعداء الأمس! والذود عن الحقيقة؟؟
تغيير المواقف ليس بالأمر السهل، حتى إن كان الموقف الجديد هو الحق بعينه، والوقوف في وجه محبيك من أجل كلمة الحق، لم يكن يوماً بالأمر اليسير، وحدهم العظماء من يستطيعون الخروج من فكرهم والنظر بتجرد الى الواقع، وبالتالي الوقوف مع الحق حتى لو كان ضد أحب أحبائهم.
خاص لـ ( الهتلان بوست )