كاتب سعودي
تشرفت بدعوة الأستاذ تركي الدخيل مدير قناة «العربية» لحضور ما يشبه المؤتمر الصحافي، الذي أعده وقدمه الأستاذ تركي وشارك في التقديم والإجابة عن الأسئلة عدد من المديرين والمسؤولين في القناة، وكان ذلك ظهر الخميس الماضي بمقر مجموعة MBC في المدينة الإعلامية بدبي.
أكثر ما أبهرني في هذا المؤتمر هو الأرقام التي تبوأتها القناة بين منافسيها وجميعها في المراتب الأولى في المنطقة، على رغم شدة التنافس وضراوته. فبالنسبة إلى الأخبار تحقق لـ «العربية» المركز الأول، ولقناة «الحدث» مركز متقدم على رغم حداثة عمرها الذي لم يتجاوز ١٨ شهراً فقط. مواقع القناة على الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي تحصد عشرات، بل مئات الآلاف من المتابعين. تنوع هائل في المحتوى وفي اللغات أيضاً. لدى القناة موقع باللغة الفارسية موجّه إلى إيران يتصفحه أكثر من ربع مليون زائر إيراني.
وبالطبع هناك من هو خلف كل هذه الإعدادات اليومية المضنية، إذ ارتفع عدد العاملين في «العربية» إلى 1700 موظف بعد أن كان دون الألف قبل ثلاثة أعوام فقط.
يوم المؤتمر يصادف تقريباً اليوم المئة منذ تعيين الأستاذ تركي مديراً عاماً للقناة، خلفاً للدكتور عادل الطريفي الذي أصبح وزيراً للإعلام في المملكة بعد مضي فترة وجيزة في القناة، وهو من أتى خلفاً للإعلامي المرموق عبدالرحمن الراشد، الذي كان له الفضل بعد الله في بناء وتشكيل شخصية وسلوك هذه القناة العملاقة على مدى الأعوام العشرة الماضية، التي أدار خلالها هذه القناة. المصادفة الأخرى وقد لا نعتبرها مصادفة، أن الأستاذ الدخيل هو في الأصل ابن القناة، وقد حصد العديد من الجوائز الإقليمية والعالمية من خلال برنامجه المتألق «إضاءات»، الذي كانت تبثه «العربية» في كل يوم جمعة، واستضاف عدداً كبيراً من أهم الشخصيات العربية المؤثرة، وقد توقف هذا البرنامج مع بداية ما يسمى «الربيع العربي»، لكن المصادفة الأهم والأقوى أن الدخيل تسلم زمام قيادة «العربية» تزامناً مع بدء «عاصفة الحزم»، وما يتطلبه ذلك من تركيز ومتابعة ودقة في المعلومات التي تبث، لاسيما و«العربية» كما غيرها لا تملك مراسلين على الأرض داخل اليمن، منطقة وأهداف قصف التحالف العربي ضد الانقلابيين الحوثيين. إنه تحدٍّ ضخم في حقيقة الأمر، ولم أقابل من كان يحسد زميلنا على هذه التحديات الكبرى.
الحقيقة، إن حرصي على حضور هذا المؤتمر، فضلاً عن لقاء الكثيرين ممن أعزهم وأتابعهم من الإعلاميين، وتطلعي إلى الجولة المنتظرة داخل أستوديو قناة «الحدث» المتطور جداً، هو معرفة وجهة نظر القائمين على القناة حول موضوع تغطية الحرب في اليمن.
قبل المؤتمر وعندما مضى أكثر من شهر على بداية هذه الحرب، بدأت ألاحظ وأسمع العديد من الآراء التي تتحدث عن المبالغة في تغطية الحرب من وجهة نظر دول التحالف، ولاسيما السعودية، مما قد يعطي الانطباع بأن القناة قد لا تختلف كثيراً عن أي قناة حكومية أخرى، وجميعنا يعلم أن القنوات الحكومية ليست بتلك الجماهيرية في كل دول العالم.
تابعت هذا الموضوع بطرح هذا السؤال، لكن ومن حسن الحظ أنني لم أكن الأول، إذ سبقني وشاركني في طرق الموضوع نفسه زميل من الكويت وهو الأخ خالد هلال المطيري مدير تحرير «الجريدة» الكويتية. كان التساؤل من منعطف المحب الغيور على القناة، وذلك لأن المشاهدين على وجه العموم لا يعجبهم في الغالب هذا النوع من الانحياز. صحيح أن القناة مملوكة لأطراف سعودية من حيث رأس المال، لكنها أيضاً مملوكة لجمهور المشاهدين العرب بكل أطيافهم من حيث المشاهدة والصدقية.
أجاب الإخوة في القناة عن هذه التساؤلات بكل أريحية وثقة، وأثبتوا بالأرقام أن لا شيء قد تغير. فخروج صورة مسؤول سعودي أو خليجي أو مصري لم يكن أكثر من خروج صور للقذافي أو لبشار الأسد في بدايات الثورتين في بلديهما. الحقيقة، أن لا أحد يحسد زميلنا تركي أو مساعديه في مثل هذه الظروف بالغة الحساسية.
تذكرت مع خوضنا في هذا الحديث تركيز قنوات الولايات المتحدة في كل مرة يحدث تدخل عسكري أميركي وهو واجب وطني يغلب على معظم الاعتبارات الأخرى. وتذكرت وقوف قناة «الجزيرة» مع حزب «الإخوان المسلمين» وهو الواجب غير الوطني بالطبع، إذ لا علاقة لهذا الحزب بدولة قطر مالكة القناة، ولكنها وقفت معه إلى حد الملل، ولا تزال تضع أخبار هذا الحزب الذي يوشك على الانقراض في مقدمة اهتماماتها. تماماً كما تفعل قنوات عدة في لبنان مع إيران وتبرر تدخلاتها في الدول العربية. لا أتوقع أن يصل القلق لأحد منا ممن يغار على قناة «العربية» بلوغها هذا الحد من التسطيح والتحيز البليد.
الذي لا شك فيه هو أن عموم المشاهدين العرب برأيي المتواضع وبفضل وجود قنوات واعية ومحايدة كقناتي «العربية» و«الحدث» واليوم «سكاي نيوز»؛ أصبحوا يملكون الوعي الكافي لتقدير هذه المواقف.
في الأمسية اللاحقة للمؤتمر اجتمع المدعوون في حفلة عشاء بهية مع عدد كبير من العاملين والعاملات والمذيعين والمذيعات في المحطتين، وكان المؤشر الواضح لدى جميع من يعمل هو الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى هذه المحطة، التي انبثقت من رحم مؤسسة إعلامية ولدت هي الأخرى عملاقة. هذا يعيدني إلى الوراء عشرة أعوام عندما كنا عطاشاً لملاحقة محطات أخرى تبث في معظمها من لبنان، وكم كنا نسعد عند سماعنا ومتابعتنا لتغطية تخص المملكة ودول الخليج. أتذكر ذلك اليوم الذي أعلنت فيه محطة «تلفزيون الشرق الأوسط» التي أوصى بإنشائها الراحل الكبير الملك فهد رحمه الله، وهذا كان المسمى المعروف آنذاك لـMBC، أتذكر موعد البث الأول وكيف أطلت علينا بأول نشرة إخبارية مبهرة من نوعها في اللغة العربية. اليوم ومع مولد محطة «سكاي نيوز» في أبوظبي وتنوع المحتوى في قنوات مجموعة MBC من دراما وفن ورياضة، ووجود فروع لأعرق الجامعات العالمية في المنطقة، وأضخم معارض سنوية تقام للكتاب وللفن والسينما، وما توفره مدينة دبي من ندوات ومعارض تجارية ضخمة، أصبح يجتمع في دول الخليج النماء الإعلامي والاقتصادي والثقافي، ويضطلع ملاك هذه المحطات بمسؤوليات ضخمة ومفصلية في زمن هذا الشتات العربي القبيح الذي عصف بمقدراتنا الثقافية في دمشق وبغداد وبيروت وغيرها من عواصمنا.
مما يبعث على المزيد من التفاؤل وجود الطاقات الشبابية الهائلة في الإعداد والتطبيقات والمواقع داخل مباني المجموعة، مما يؤكد تصميم هذه المؤسسة على الاستمرار في الأخذ بزمام المبادرة. كسعودي، ومع اعتزازنا بما تحقق في دبي وأبوظبي وما هو آتٍ، كلي أمل بأن تتقدم ثقافتنا وأنشطتنا الإعلامية في الداخل أيضاً. لدينا محطات كبيرة ومتمكنة فنياً داخل الوطن كقناة «الإخبارية» مثلاً. ما الذي قد يمنعها من الوصول إلى مستويات زميلاتها التي تبث من الإمارات العربية؟
من معرفتي بالوزير الطريفي، فإنه لا شك لديّ على الإطلاق بأن هذا الموضوع في سلم أولوياته، وقد بدأ ذلك بالفعل عندما وضع الأستاذ جاسر الجاسر على هرم إدارة هذه القناة.
أكرر الشكر للصديق العزيز تركي الدخيل على دعوته، ونتطلع إلى المزيد من اللقاءات في المقبل من الأيام وفي أوقات يغلب عليها السلم والتفرغ نحو الإبداع
المصدر: الحياة