في العاشر من هذا الشهر، مارس/ آذار 2023، صدر بيان عن عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران في جمهورية الصين الشعبية التي لعبت دور الوسيط بين البلدين، وأشار البيان إلى أن المباحثات لتحقيق هذه الخطوة استمرت قرابة عامين، وأخذت مكانها في العراق وسلطنة عُمان.
وصف الإعلان عن عودة العلاقات بين السعودية وايران بالزلزال، وبالتحول الكبير، في مجرى الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط، وتبارى المراقبون والمحللون السياسيون في تفسير ما جرى، اعتماداً على ما هو متوفر من حقائق ومعطيات.
الحدث في ذاته، لم يكن مفاجئاً، فمنذ أكثر من عام والأنباء تتواتر عن لقاءات تجري بين ممثلين عن قيادة البلدين الجارين، وعن محاولات جادة، لتضييق شقة الخلافات بين المملكة والجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من عمق المسافة، وما بدا من استعصاء لحلول عملية للاختلافات بين البلدين، كونها تمس بشكل مباشر المصالح الخاصة والأمن القومي لكليهما، فإن التوصل إلى توافقات مشتركة حول تلك المسائل، لم يكن في خانة المستحيلات.
صحيح أن العلاقة بين المملكة وإيران اتسمت في الأغلب بالتوتر، منذ قيام الجمهورية الإسلامية، لكن ذلك لم يحل دون قيام علاقات طبيعية بينهما، بلغت أوجها أثناء تولي هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية، وأيضاً أثناء رئاستي أحمدي نجاد، وحسن روحاني. وقد سادت خلال تلك الفترة علاقة بين البلدين توصف في أقل تقدير بالجيدة. وحتى عندما بدت الخصومة جلية بين البلدين، بسبب جنوح السياسة الإيرانية للتوسع، شمال وجنوب المملكة، لم تتخل السياسة السعودية عن تمنياتها في أن تعود المياه لمجاريها، واحترام الجميع لمبدأ حسن الجوار، والاعتراف المتبادل بالمصالح الوطنية لمختلف الأطراف.
إذن، فليس هناك وجه غرابة في عودة العلاقة بين البلدين. هذا الاستنتاج يبدو طبيعياً وبدهياً، حين لا يوضع في الاعتبار المرحلة التي تمت بها، وطريقة الإعلان عنها، والعنصر الدولي الفاعل فيها.
فقد جاء الإعلان عن عودة هذه العلاقة، وسط توتر في العلاقة بين أمريكا وإيران، وتلويح إسرائيلي، بشن الحرب على طهران، لمنعها من حيازة التكنولوجيا النووية. وكانت دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، تعبر في العلن عن خشيتها من امتلاك إيران لأسلحة الدمار الشامل، وإنتاج السلاح النووي. ومن المستبعد أن تكون هذه المخاوف بعيدة عن أجواء المباحثات بين البلدين.
إن توقيت إعلان عودة العلاقة بين البلدين، هو موقف شجاع يحسب للقيادة السعودية، كونها اتخذت قراراً، هو من حقها السيادي الكامل، كدولة حرة مستقلة، ولكن الغرب، وعلى رأسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لا تتعامل مع هذه الأمور، من منظور احترام الاستقلال والسيادة ومنطوق القانون الدولي؛ بل من خلال موقعها في الصراع بين الكبار؛ لذلك فإن الخطوة السعودية، في هذا السياق هي بمنزلة تأكيد صريح عن حق السيادة واستقلالية القرار.
ومما يضاعف من أهمية هذه الخطوة، أنها تأتي وسط احتدام الصراع بين الصين الشعبية، والولايات المتحدة، حول موضوع تايوان. وقد جاء الإعلان عن عودة العلاقة بين السعودية وإيران، في اليوم الذي توج فيه شي جين بينغ، رئيساً للصين لدورة رئاسية ثالثة، وأيضاً وسط اتهامات أمريكية متصاعدة للصين، بدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وتقديمها أسلحة فتاكة لها. وتدرك أمريكا ما تعنية الوساطة الصينية لعودة العلاقات بين السعودية وإيران.
الصين لا تكتفي بالتأكيد أن تايوان خط أحمر، وأنها جزء لا يتجزأ من أراضيها ومن أمنها القومي، وتعلن استعدادها لمواجهة أي تهديد أمريكي محتمل لأمنها؛ بل تذهب أبعد من ذلك بكثير. فهي تعمق علاقتها بالمياه الدافئة بالخليج، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية، البلد الذي يحتل مركز الصدارة في تصدير الطاقة النفطية؛ حيث جاء الرئيس الصيني والتقى مع القادة العرب، بالعاصمة الرياض، واتخذت العلاقات بين البلدين، منحى استراتيجياً، وتتوسط لعودة العلاقات بين الرياض وطهران، في وقت تتصاعد فيه حمى الحرب الباردة، بين الصين وروسيا من جهة، والغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى.
إن عودة العلاقة بين السعودية وإيران، هي أمر طبيعي، حين توضع في خانة العلاقات بين الدول، لكنها غير ذلك، حين توضع في ميزان التحولات الكبرى التي تجري على الساحة الدولية، والتي تشي بقرب انبثاق نظام دولي جديد، على أنقاض النظام الذي انبثق بعد الحرب الكونية الثانية، ووفق حقائق القوة الجديدة.
المصدر: الخليج