الفلتر .. هوس الكمال المزيف

آراء

خاص لـ هات بوست:

     كنا على وشك التقاط صورة سريعة، وطلبت مني ابنتي الانتظار حتى تختار (فلتر لكي تكون أحلى)!

     كانت المرة الأولى التي يكون فيها الأمر بكل هذا الوضوح، وكشفت لي تلك اللحظة إلى أي مدى أصبحنا أسرى للشكل المعدَّل؛ لدرجة أننا لم نعد نتقبل أنفسنا حتى في اللقطات الحياتية العابرة التي نحب توثيقها، والتي لا تستحق الكثير من التنميق أمام العدسة!

     وبدأت انتبه إلى انعكاس هذه الفكرة على نظرة ابنتي لنفسها! وانزعجت جدًا من الموضوع، مع اعترافي بأنني ساهمت فيه بقدرٍ ما عندما كنت أجاريها أحيانًا في انتقاء فلترٍ ما!

     ما السبب الحقيقي الذي يجعلنا أسرى للفلتر؟!

   ما المخاوف التي تجعلنا ننتفض أمام اعتقادٍ زائف ومبالغ فيه أن صورتنا ليست جميلة بما يكفي بدونه؟!

     لماذا أصبحنا غير راضين عن أشكالنا، ونسعى دومًا للبحث عن صورة كمالية (بلا غلطة) كما نعتقد؟! وكأن خطًّا عمريًا هنا أو حبةً هناك أو حتى بعض الإرهاق سينال من حظوظنا الجمالية ويحوّلها إلى قبح؟!

     لماذا لم نعد قانعين بأنفسنا، ونغرق في سباقٍ محموم ضد أشكالنا الخارجية؛ سباقٌ يبدأ بالفلتر وينتهي بدوامٍ لا ينقطع في عيادات التجميل؟ تلك التي حتى نتائجها لم تسلم من براثن الفلتر؟!

     لماذا أصبحنا أسرى معايير جمالية مقولبة لدرجة تُشعرنا بالبشاعة إن خرجنا عن إطارها؟!

و..

     ما نوع الثقة التي تجعلنا نزهو بصورة مفلترة، فنطير فرحًا بسيل المدح والثناء (عليها)، في حين أننا في أعماقنا نظن أن حقيقتنا لن تهبنا كل هذا الثناء؟!

     هي أسئلةٌ تحتاج تواصلًا مع ذواتنا بصدقٍ وعمقٍ للوصول إلى إجابةٍ شافيةٍ تُعيد لنا الطمأنينة والهدوء، وبالتأكيد تعيد لنا القبول والثقة بالنفس.

     ورجوعًا لموقفي مع ابنتي، قررت منذ ذلك اليوم إعادة ضبط نظرتي للفلتر وتقليص استخدامه، باعتباري القدوة التي يجب أن تأخذ زمام المبادرة على نفسها قبل بنيّاتها لإقناعهن بالفكرة دون عناء، مع الكثير من عبارات المدح الصادقة عندما أقوم بتصويرهن .. وأظن أن الأمر ينجح.

     طبعًا ليس المطلوب الاستغناء التام عن الفلتر، فهو يبقى شيئًا لطيفًا وممتعًا يمكننا استخدامه أحيانًا، لكن الأهم في رأيي ألّا نقيّد أنفسنا به ظنًّا بأن شكلنا الطبيعي لا يكفي ولا يستحق أن يُخَلَّد في صورة، وألّا يزاحم قبولنا لأنفسنا فنعتقد أنه يُكمل نقصًا فينا.

     الأهم هو أن نتحرر من فكرة أن الصورة لن تكون حلوة إلا بالفلتر!

.

.

     وآخر القول:

جرب أن تمسك هاتفك الآن، والتقط لنفسك صورةً سريعة، جرب أن تتمعن فيها بذهنيةٍ صافيةٍ ممتنةٍ لا تبحث عن العيوب.