مديرة إدارة الدراسات الجيوسياسية في مركز "بحوث" - دبي
الخطوات الأخيرة للجهات الأمنية داخل عدن لتفكيك خلايا القاعدة داخل العاصمة وحولها قد تعطي مؤشرات قوية بأن تنظيم القاعدة بدأ يحتضر في المدينة الجنوبية كما أن الضربات المستمرة من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار وضربات قوى التحالف العربي ساهمت إلى حد كبير في التخلص من العديد من كوادره القيادية وغير القيادية والعديد من مخازن السلاح التابعة له سواء داخل الحوطة أو زنجبار داخل محافظة لحج، ولكن هناك مخاوف من أن التنظيم قد ينتهي في عدن وتنخفض عملياته داخللحج وأبين في الفترة الزمنية القادمة ليواصل نشاطه من جديد من داخل حضرموت. فهل أصبحت حضرموت المقر الآمن للقاعدة وتحت مرأى ومسمع ساكنيها؟
الصور الأخيرة التي تحاول وسائل الإعلام العالمية نقلها عن وضع القاعدة داخل حضرموت، تشير إلى أن القاعدة مستمرة داخل مقرها في المكلا بموافقة أهلها وبمباركتهم فهل يعقل أن يعمل ألف شخص في إطار التنظيم على تهديد مئات الآلاف من الأشخاص وإرغامهم على الرضوخ لأوامره إلا بموافقة ضمنية من قبلهم؟
وهي صور سلبية ولكنها تعكس جزءاً من الواقع وليس الواقع كله حيث أن الأوضاع الحالية في حضرموت وتحديداً المكلا تشير إلى وجود معارضة واسعة مكتومة بين المواطنين ضد التواجد الحالي للقاعدة والسبل التي يتبناها التنظيم لفرض توجهاته الفكرية والسياسية والوسائل العسكرية التي يستخدمها بالإضافة إلى الاستغلال المالي لموارد المدينة. هناك هدوء يسبق العاصفة داخل حضرموت واستمرار تواجد القاعدة قد يشير ظاهرياً أنها المسيطرة حالياُ على مقاليد الأمور هناك ولكن لا يعني أبداً أنها ستستمر مستقبلاً خصوصا إذا بدأ المد الشعبي الثوري ينهض ضد القاعدة داخل حضرموت. كما أن العلاقة الحالية بين المجلس الأهلي في حضرموت وتنظيم القاعدة عبر ما يسمون أنفسهم بهيئة أبناء حضرموت إضافة إلى الموقف الخاص لمجلس علماء أهل السنة والجماعة تؤكد إلى أن القاعدة لا تمثل أهل حضرموت.
وما يزيد الصورة غموضاً وتعقيداً هو تحول القاعدة إلى تكتيك إرهابي أكثر منها عقيدة دينية حيث أن هذا التكتيك يستخدمه أعضاؤها وغير أعضائها للوصول إلى مآرب محددة. وهذا التكتيك يشمل القتل والسلب والنهب والخطف والتهريب وإثارة الفوضى الأمنية في كافة صورها. الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام قبل فترة حول مقتل 20 جندياً يمنياً من المحافظات الجنوبية في مديرية أحور في أبين كانوا في طريقهم إلى قاعدتهم العسكرية في المهرة لاستلام رواتبهم،كان المتهم الرئيسي فيه تنظيم القاعدة المنتشر في منطقة أحور إلا أن التنظيم أصدر بياناً أنكر فيه صلته بالحادثة تماماً مما قد يزيد من غموض القضية بالتزامن مع ما أُشيع بوجود ميليشيا مسلحة تتبع ما يعرف بقاعدة علي عبدالله صالح. وهي ليست السابقة الأولى لتفسير مثل هذه الحوادث البشعة بحق مواطنين في الجنوب حيث تعد عنصراً سلبياً للغاية خصوصاً فيما يخص التشكيك بعناصر جنوبية ودورها المزدوج في المواجهة الحاصلة في الساحة اليمنية حالياً وقد امتد هذا التشكيك ليطال المقاومة الجنوبية نفسها والترويج بوجود عناصر في المقاومة تعمل تحت مظلة أكثر من جبهةسواء جبهة المقاومة أو القاعدة أو أشباه القاعدة وهو ما يؤكد وجود طابور خامس داخل المحافظات الجنوبية يقوم بهذه الأدوار المزدوجة لمصلحة طرف ثالث والأمر الخطير أن هذا الطابور لا يقتصر فقط على عناصر دخيلة على الجنوب بل قد أضحى يعتمد في تجنيده على عناصر جنوبية وهذا يمثل قمة الكارثة.
الانتشار الواضح للتنظيمات الإرهابية داخل اليمن وتحديداً الجنوب يتضمن العديد من المؤشرات السلبية التي قد تشير إلى أن التنظيمات الإرهابية المتواجدة حالياً تمهد الطريق لإطلاق تنظيمات جديدة مستقبلاً قد تكون تابعة للقاعدة أو خارجة عن نطاقها. كما أن هذا الانتشار قد يقود بشكل تدريجي إلى إفساح المجال لتكوين جماعات نووية لتكون بؤرة انطلاق لتنظيمات إسلامية متطرفة في عملية تفريخ لا نهاية لها وهو ما قد يقود إلى الخفض من سقف النجاح في القضاء على التنظيمات الإرهابية وتحويل اليمن إلى ساحة قتال مستمر حتى بعد انتهاء المواجهات بين التحالف العربي الخليجي والحكومة الشرعية من جانب والحوثيين وقوات صالح من جانب آخر.
قاعدة اليمن ليست شبيهة بتنظيمات القاعدة الأخرى في نطاق العالم مما يجعلها مختلفة عن قاعدة أفغانستان وقاعدة بوكوحرام وقاعدة تنظيم المغرب الإسلامي وحتى قاعدة شبه جزيرة سيناء. وذلك لكونها لا تعمل كتنظيم واحد تحت مظلة قيادية واحدة وانما تتفرع إلى عدد كبير من التنظيمات الفرعية المتباعدة عن بعضها البعض تحت قيادات مختلفة وحتى عملية تعيين تلك القيادات لا يتم وفقا لقرارات القيادة المركزية أو لقيادات الصف الثاني داخل التنظيم المتواجد في اليمن خصوصاً بعد مقتل عدد من قيادات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الرئيسية مثل ناصر الوحيشي وجلال بلعيدي. مما جعل عملية تنصيب القيادات لفروع القاعدة داخل اليمن عملية عشوائية وغير واضحة وذلك اتضح بشكل كبير بعد تعثر العديد من المراقبين الدوليين والمحليين في تحديد القيادات الحقيقية للقاعدة داخل عدن في حادثة القبض على حلمي الزنجي وأبو سالم التعزي وهما من العناصر اللاعبة للدور المزدوج داخل عدن بعد القضاء على ميليشياتهم داخل المنصورة إحدى ضواحي عدن الرئيسية. وحتى قاعدة المكلا التي يترأسها خالد باطرفي تتضمن ذات المواصفات من حيث غياب التنظيم وعدم اتضاح عملية توزيع القيادات والمهام داخلها في حدود مدينة المكلا وهي تصر على أنها تعمل تحت شعار ” الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الظلم”.
قد ساهمت اتساع حلقات المقاومة الجنوبية في المواجهات مع الحوثيين خلال العام الماضي في تأسيس صور متعددة للمقاومة برزت في فئات السلفيين، الحراكيين، الشباب المدني، العسكريين المتقاعدين سواء المرتبط بالحراك أو الذي يعمل بشكل مستقل إلى جانببعضالعناصر من القاعدة نفسها مما سمح بوجود ثغرات عديدة ما بين حلقات المقاومة المختلفة نظرا للاختلاف في التنظيم والعقيدة الفكرية وهذا أتاح الفرصة لعناصر القاعدة وعناصر الطابور الخامس في التغلغلمن خلال هذه الثغرات وإضعاف الموقف المتسق والموحد للمقاومة الجنوبية الذي يستهدف بشكل أولي استقلال الجنوب. واستغل ذلك الحوثيون والتابعون للرئيس السابق صالح لإضعاف المقاومة وتجزئتها إلى أجزاء صغيرة ومتناحرة بهدف القضاء عليها بشكل تدريجي.
حوادث الإخلال الأمني التي اجتاحت عدن خلال الشهور الماضية ووصلت أوجها في شهر فبراير الماضي عكست هذا التوجه ولكن العنصر الأكثر خطورة يبرز في محاولة زرع الشكوك بين العناصر المختلفة للمقاومة الجنوبية وتبني سياسة فرق تسد التي قد تعطي ثمارها مستقبلاً بالنسبة لبعض القوى في الشمال سواء الحوثيين وصالح أو أطراف أخرى لا تزال تسعى وراء السلطة. كما أن هذا المخطط الغرض الأساسي من ورائه هو منع قيام دولة مستقلة ذات سيادة في الجنوب وإلغاء فكرة استقلال الجنوب بالكامل.
الاجتماع الأخير الذي تم في الرياض في مارس بين مجموعة من الأحزاب والقوى السياسية من شمال اليمن أكد على هذا التوجه حينما قرر المجتمعون العمل بشكل مشترك تحت مظلة الشرعية لتأكيد قيام الدولة الاتحادية حيث انتقدت بعض الأطراف الجنوبية الاجتماع لتعمده عدم تضمين الرؤية الجنوبية بشأن حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. وهذا انطلى علىمفاوضات الكويت التي عكست أجندتها المعلنةتغييب الموقف الجنوبي.
اتسم شهر مارس الماضي بالهجوم المستمر من قبل الحكومة الأمريكية وقوى التحالف العربي على أوكار وعناصر القاعدة في شبوة، أبين، لحج والمكلا لكن يبدو أن تلك الحلول لا تمثل الدواء السحري للقضاء على القاعدة في اليمن خصوصاً في ظل وجود الإمدادات المالية والبشرية بشكل مستمرللتنظيم من أطراف داخلية وخارجية. إن البؤر الحاضنة لتلك التنظيمات لن تتوقف عن الانتشار على المدى القصير والخطورة تكمن في كونها تدعم تحول اليمن إلى إقطاعيات حربية كل منطقة يحكمها قائد تفرضه جماعته ويتحكم في مصائر البشر في حدود منطقته وهو ما حاولت بعض تلك التنظيمات فرضه في عدن وفشلت وإن كان هناك واقع شبيه له لا يزال قائماًسواء في أبين أو حضرموت.
حضرموت قد تشكل المرحلة القادمة من الصراع مع التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها القاعدة بعد النجاح الجزئي في إخماد أنشطة القاعدة داخل عدن وتحديداً في المعقل الأساسي لها داخل المنصورة وإن كان ما يثير الشك بشأن هذه التنظيمات المتطرفة أنها لا تقتصر على فروع القاعدة بقدر ما تحتضن تنظيمات عديدة مثل داعش وحزب التحرير في وادي حجر غرب المكلا التي تتقارب بعض أهدافه مع تنظيم داعش خصوصا ما يتعلق بالخلافة الإسلامية.
الأخبار الأخيرة التي تشير إلى قدوم أفراد تزعم أنها تمثل داعش عبر الطرق الجبلية الملتوية المؤدية إلى وادي حضرموت وتحديداً سيئون قد يشير إلى أن هناك بوادر عديدة لقيام تمركزات جديدة للتنظيمات المتطرفة في الفترة المقبلة. لذا إن استمرار مهاجمة المعاقل المختلفة للتنظيمات الإرهابية داخل عدن، شبوة، أبين، المكلا وسيئون قد تشكل خطوة أساسية في إيقاف تمدد التنظيمات المتطرفة ولكنها ليست السياسة الاستراتيجية المناسبة على المدى الطويل للقضاء تماماً على بؤر التطرف داخل اليمن. تلك التنظيمات تسعى بشكل كبير لتوفير الوقود البشري لتعزيز تواجدها داخل اليمن بشكل عام وتحديداً في المناطق الجنوبية. وهي تستغل أكثر من مدخل لتوفير هذا الوقود البشري إما داخلياً عبر الثغرات التي أحاطت بالمقاومة الداخلية واستغلال بعض عناصر المرتزقة داخلها لإحداث فوضى أمنية داخل البلاد وما يؤهلها للقيام بهذا الدور السلبي هو توفر الموارد المالية والسلاح والقدرة على السيطرة على بعض المناطق الهامة بعيداً عن هيمنة الحكومة وأجهزتها الأمنية، وإما خارجياً عبر جذب الشباب المتطرف في المناطق المتوترة أمنياً سواء العراق، سوريا، مصر، ليبيا، أو تونس التي قد تعد تكون قنوات سريعة وسهلة لتهريب العناصر المتطرفة التي تبحث عن القيام بدور البطولة المزيفة داخل اليمن.
إن قطع دابر هذا الإمداد البشري للتنظيمات المتطرفة سواء من داخل اليمن أو من خارجها يمثل أول خطوة في الاتجاه الصحيح للقضاء على التنظيمات الإرهابية في جنوب اليمن. وهذا يستلزم رؤية بعيدة المدى لاحتضان الشباب وإبعاده عن شبكات التطرف عبر توعية دينية واجتماعية شاملة واستراتيجية اقتصادية محكمة لانتشاله من براثن البطالة والفقر والتشرد.