كاتب سعودي
للحكيم الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، مقولة بليغة (جارحة) هي أنه: «عندما يفشل الياباني ينتحر وعندما يفشل العربي يرقى»! وما يسبق ترقيات الفاشلين في العالم العربي هو توظيفهم، دون تردد، في مواقع صناعة القرار وصياغة حياة الناس من بطون أمهاتهم إلى قبورهم. والسبب هو أن الوظيفة عند العربي مزرعة بينما هي عند الياباني مصنع. في الأولى يربى كل شيء ويكبر وينتفخ على يد المالك وفي ظله ومن أجل سواد عينيه وطرب أذنيه. وفي الثانية تتداخل خطوط الإنتاج وتنجح أو تفشل بناء على العزف الجماعي للباحثين عن المصلحة الوطنية العامة التي يتشاركون فوائدها بالتساوي.
ولذلك، تحت وطأة الممارسة الفلاحية، يتأخر الوطن العربي كل هذا التأخر ويهاجر أبناؤه إلى أصقاع الممارسات الصناعية يتكسبون رزقهم ويبنون كراماتهم التي تهدر لسقيا أحواض الواصلين والمتنفذين والفاسدين والفاشلين.
ولو أنك ألقيت نظرة واحدة على الأسماء العربية المبدعة التي تشرق عليها شمس الغرب والشرق كل يوم لفهمت ما أقول هنا. كل الموهوبين العرب من الشباب لا نسمع عنهم ولا نقرأ أخبارهم إلا من خلال حواضن الإبداع والإنتاج الأجنبية التي لا تفرق ولا توزع (المغانم) حسب القرب والبعد من المسؤول والمدير ومن يعز عليهما من جماعة وأقارب وأهل ثقة.
التخلف، تخلف أي مجتمع، يبدأ من السلوك الخاطئ ويكبر به إلى أن يصبح هذا السلوك طبعا وقد يتحول أيضا إلى (مفخرة) يتفاخر بها من يقتطعون من الذبيحة لحم الرقبة ويتركون للآخرين بقايا لحومها وشحومها وعظامها الأقل قيمة وطعما. أليس في العالم العربي الآن من يتفاخر بذكائه على أساس أن الدائرة التي يرأسها كلها إخوة وأبناء عم وجماعة؟! أو لسنا نرى الفاشل عيانا بيانا ينتقل فجأة من طاولة الاستقبال إلى كرسي المدير العام؟ وهل بمقدورنا أن ننكر أن شبابا مؤهلين موهوبين في شتى العلوم يتكففون الآن وظائف خدمة في المطاعم والسوبرماركات؟!
هي إذا حالة عربية قبض عليها وأوجزها المرحوم الدكتور القصيبي لتظل تتردد في كل حين ننظر فيه إلى حالنا وحالهم، حيث لا نجاة تنموية لنا كعرب إلا بهدم المزارع الشخصية، وبناء المصانع الجماعية.
المصدر: عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20141022/Con20141022730194.htm