كاتب إماراتي
غيّب القدر المحتوم عن هذه الدنيا صديقاً وفياً وأخاً عزيزاً ومواطناً صالحاً سنفتقده كثيراً. فقد رحل محمد خلف المزروعي عن هذه الدنيا الفانية، ودون مقدمات أو ضجيج، وهو لا يدري أنه سيترك طوفاناً من الألم الشديد يعصف بوجدان كل مواطن محب لهذه الأرض وأهلها الطيبين. لقد تعرفت على «بوخلف»، رحمه الله، في تسعينيات القرن الماضي، وتكونت بيننا صداقة ومودة قلّما تكون بين بشر لا تربطهم مصالح سوى محبة الوطن والرغبة في خدمته. كنت في وقتها أستاذاً بقسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات في العين. ورغم أن اللقاءات المباشرة بيننا كانت قليلة، كأن يضمنا مجلس في أبوظبي العاصمة أو اجتماع عمل قصير حول الثقافة والتعليم والإعلام في الدولة، فإن لكل مرة نلتقي فيها ذكرياتها العزيزة، لكرم الرجل ودماثة خلقه. فلم ينقطع الاتصال بيننا، بل كان «بوخلف» دائم السؤال لكي يطمئن على الحال أو للتشاور في أمور الثقافة والمثقفين في الإمارات.
كان محمد خلف المزروعي، رحمه الله، صاحب رؤية ثاقبة حول الإعلام والثقافة في دولة الإمارات، وكان دائماً ما يبهرني بتلك الرؤية من خلال قوله بأن العمل الثقافي والإعلامي في الدولة يجب أن ينطلق من فكرة خلق المواطن الصالح الذي يفهم واجباته نحو وطنه ويقدر حقوقه فيه ويسعى لتحقيقها عبر إخلاصه وتفانيه في خدمة هذا الوطن وقيادته، فإذا وعى المواطن ذلك فسيتمكن من الإسهام في بناء وطنه كدولة عصرية حديثة، وسيشارك بكل ما لديه من فهم وقدرة وإمكانيات في تحقيق ذلك، وهذا هو بيت القصيد في المسألة، كما كان يكرر دائماً، لأن ذلك من شأنه أن يفضي إلى خلق المفاهيم الأصيلة للحمة الوطنية التي تذيب الحواجز بين أبناء الإمارات وتقضي على ما يمكن أن يقف حاجزاً بينهم.
وبالإضافة إلى ذلك طالما لمست منه بأن قيادة هذا الوطن المعطاء الرشيدة تحرص دائماً على التأكيد بأن المواطنين يجب أن يكونوا مدركين لما يدور حولهم من أحداث، وإدراكهم هذا لن يتأتى سوى من خلال العلم والثقافة ووجود الإعلام الواعي الرصين الذي يوصل إليهم جوهر الحقيقة وليس زيفها وقشورها. وبسبب اقتناع «بوخلف» بهذه الفكرة، سعى أثناء وجوده في موقع المسؤولية الثقافية والإعلامية إلى تحقيق فكر القيادة الرشيدة بأن ترمي السياسة الإعلامية في الدولة إلى تحقيق التوازن والوسطية في طرحها للمسائل وعدم الغلو في الطرح، وهذا يعني بأن المرحوم كان مؤمناً بأن الثقافة والإعلام ليسا ترفاً، وإنما أمران ضروريان في مسيرة الإمارات الظافرة، خاصة في ظل الظروف الوطنية والإقليمية والعالمية التي تحيط بها.
لقد رحلت عنا يا أبا خلف وتركت القلب يدمي والعين تدمع والحسرة والألم يلمان بالنفس حزناً عليك، رحلت ونحن بأمس الحاجة إليك كمواطن صالح شهم، وكمثقف لديه الكثير مما يمكن أن يقدمه في مسيرة بناء المستقبل المشرق.. لكن هذه هي حال الدنيا، «فكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». نتضرع إلى الباري عز وجل أن يغفر لك ويعفو عنك ويسكنك فسيح جناته مع الشهداء والصديقين، إنه على كل شيء قدير، ونتقدم لآلك وذويك بأحر التعازي القلبية الصادقة، راجين أن يلهمهم المولى عز وجل الصبر والسلوان في مصابهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر: الإتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82304