كاتبة سعودية
صناعة التغيير في نمط الإنسان وعاداته حتى لو كانت بالية تقابل دائماً بكثير من المقاومة والرفض، وفي أحيان يصعب تحقيقها إن لم تكن مدروسة بحكمة، ولكن الوصول إليها أمر ليس بالمستحيل، حين يحاول الفرد صناعة (التغيير) في مجتمع أو دولة بمفرده من الطبيعي أن يتكبد سنواتٍ طويلة من الانتظار كفيلة بإحباط العزائم والهمم، لذلك آن الأوان ليعمل الجميع بشكل تكاملي لتحقيق الرؤية الاستراتيجية للمغفور له والدنا عبدالله بن عبدالعزيز- رحمة الله عليه، التي تهدف إلى تحويل مجتمع المملكة إلى مجتمع معرفي وأن تكون بـ (منتجاتها وخدماتها) معياراً عالمياً للجودة والإتقان بحلول العام 2020. وحقيقة فإن إلغاء 12 جهازا حكوميا، وإنشاء جهازين جديدين بالمقابل، ودمج التعليم وإعادة تشكيل مجلس الوزراء وتحديث الحكومة ومفاصل الدولة وضخ دماء جديدة شملت11 مواطنا وشخصيات شابة، دفعة واحدة في 34 قرارا ليس بالأمر الهين أبداً، بل هو تطبيق فعلي يؤكد أن صناعة التغيير برفع الجودة هو نفس المسار والرؤية التي بدأها والدنا عبدالله -رحمه الله-، ويُكملها الآن قائدنا سلمان بعون الله.
هذه القوة التي استهلت بها المملكة العهد الجديد، تأخذني إلى وقفة وقراءة في تقرير فاحت منه رائحة القلق نُشر في موقع (المصالح الأمريكية) بعنوان الدول السبع العظمى التي من شأنها أن تهز العالم، وجاء ترتيبها كالآتي، (أمريكا – ألمانيا- الصين-اليابان- روسيا- الهند- السعودية)، ورد في بداية التقرير تساؤل محسوم مسبقاً عن ماهية القوى الحقيقية في العالم، كان السؤال مجرد بذرة لتتفرع منه حقائق عن السعودية يدركها العالم حولنا و(ربما) يجهلها كثيرٌ منا و(ربما) قلل من حقيقتها بعضهم و(ربما) لم يدرك إلى الآن آخرون بيننا حجم قوة الدولة، و(ربما) لا يقع الأمر تحت أي من تلك الاحتمالات، لأن الموقع بكل بساطة باللغة الإنجليزية وربما لم يُقرأ بعد، ولكن يستطيع أي مواطن بسيط أن يستشعر قوة التغيير الذي بدل من ملامح عدة وزارات داخل المملكة بسهولة. وذكر الموقع أن تصنيف وترتيب الدول جاء بناء على قدرتها المنظمة في إعادة تشكيل بيئاتها المحلية من جهة وتأثيرها في العالم الخارجي من جهة أخرى، بالإضافة لامتلاكها قدرة للتأثير على معظم السياسة الدولية. سرد التقرير تفاصيل القوة التي تميز كل دولة، فعلى سبيل المثال جاء مقياس قوة روسيا معتمداً على حقيقة حجم سلاحها النووي الفتاك والقادر على تدمير جميع أشكال الحياة على وجه الأرض، ولكن التدمير حقيقة بشعة لا تستطيع كثير من الدول مواراتها، إذ ليس من السهل أن تصنف القدرة على التدمير كقوى عظمى فقط لدفع البلدان الأخرى إلى الاعتراف بهيمنتها!
وتم ذكر أن السعودية هزت بموقفها السياسي للعام الثاني على التوالي العالم حين تجاهلت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، التي اعتادت أغلب الدول بالخضوع لها، لتتركها في حالة من الفوضى، مؤكدةً بأن لا قوى خارجية تستطيع أن تُملي على المملكة شؤونها الخاصة، خاصة بعد أن تمكنت من السيطرة على عدة فتن وتطويق عديد من الخلافات التي ضربت قلب المنطقة العربية مصر وكادت أن تمضي بها إلى مصير مجهول، ثم قلبِها وتغييرها للسياسة الدولية حين قامت بهندسة عملية انهيار أسعار النفط بذكاء، لتكشف عن حقيقة قوتها الاستراتيجية ومهاراتها المتميزة، التي تمكنها من إنجاز أشياء كثيرة متى ما رغبت في ذلك، وأضاف التقرير أن هناك عديدا من البلدان ذات كثافة سكانية وقوات عسكرية أقوى وأسس تكنولوجية متطورة أكثر بكثير من إمكانات السعودية، وعلى الرغم من ذلك تفتقر (للقدرة) التي تمتلكها هذه الدولة الصحراوية، التي تستطيع متى ما رغبت أن تحدث ثورة في التوازن الجيوسياسي وإعادة الاقتصاد على المستوى الإقليمي والعالمي، إذ حقق السعوديون إنجازات في المنطقة أكثر من الدول التي تملك قوى عظمى، واستغرب التقرير من قدرات المملكة في إشارة مباشرة إلى أن السعودية قادرة على الدفاع عن نفسها دون الدعم الأمريكي، إذ يكفي أنها في سنة صنعت تحالفا موحدا امتد من دول الخليج إلى القاهرة – وفي السنة التالية فاجأت العالم بفرض قوتها الاقتصادية وثقلها السياسي لإجبار نمور أوبك لتقبل الانهيار في أسعار النفط العالمية- لذلك كانت تستحق مكانا على الطاولة بين أكبر القوى في العالم.
وما ذكره التقرير الأمريكي من حقائق ونتائج لم يتوصل إليها إلا بعد أن أجبرته الظروف على (تغيير) الفكرة النمطية السائدة عن الدولة الصحراوية، وأول حقيقة نستطيع نحن القيام بها فضيلة الاعتراف بالحق من نفس باب (التغيير)، إذ مازال أمامنا كثير من العمل الجماعي الذي نحتاج فيه لمؤازرة بعضنا، وإكمال عملية شد أوتاد الدولة وجعلها معياراً عالمياً للجودة والإتقان، ونكمل ما زرعه عبدالله لنحصده في عهد سلمان.
المصدر: الشرق
http://www.alsharq.net.sa/2015/02/04/1291009