- جريدة الرياض ليست هي التي تحيي وتميت إبداعي
- جماعات متطرفة وراء منعي دخول الكويت
- الكتابة عن “داعش” مكافأة لها
أجرت الحوار: بيان السطري
تعد بدرية البشر من الكتاب الأكثر قراءة وجدلاً في السعودية والمنطقة العربية. كان ظهورها على الشاشة الفضية كمقدمة للبرنامج التلفزيوني الاسبوعي “بدرية” إضافة جديدة إلى مسيرتها الصحفية التي امتدت لأكثر من عشرينَ عاماً. كتبت عن مجموعة من القضايا الحساسة في السعودية وتخطت حاجز الممنوع في بعض كتاباتها ونشرت روايات أحدثت جدلاً واسعاً مثل “هند والعسكر” وتحظى اليوم بمتابعة كبيرة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”. هنا حوار خاص بـــ (الهتلان بوست) مع بدرية البشر
تم ترشيح روايتك “غراميات شارع الأعشى” ضمن القائمة الأولية للبوكر لكنها لم تكن ضمن القائمة القصيرة. هل أصابك ذلك بالإحباط؟
لا أبداً، ترشيح عملي كان بحد ذاته نجاحاً أسعدني كثيراً، ولكن يجب على أي كاتب أو مبدع أن يستمتع بما يقدمه بعيداً عن التقييم. هناك دائماً مركز أول في نظام الجوائز وعدم الفوز به لا يعني عدم الوصول. كل كاتب لديه حلم بأن ينال جائزة البوكر تحديداً، وأنا شخصيا أكتب ولدىّ حلم مشروع في الوصول للجائزة من دون أن يكون في ذهني تشنج أو هوس. والجائزة الأكثر جمالاً بالنسبة لي هي محبة الناس.
هل تخيف “بدرية” المسؤولين في السعودية وتحرجهم بما تطرحه من مشاكل؟
لا، بالعكس. فأنا أعمل لأجلهم وكأنني موظفة لديهم، حيث أخبرهم عن قضايا مهمة وأزودهم بالحلول. السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والمسؤول الذي لا يشعر بوجود الرقابة التي تثني عليه إن أنجز وتحاسبه إن أخطأ، لا تؤمن أفعاله. الصحافة هي السلطة الرابعة، وتلعب دور الرقيب، وتساعد في أن يكون لدينا مسؤولين جيدين، ومجتمع جيد، وتفكير جيد. لذا، يجب على المسؤولين أن يشكرونا لأننا نساعدهم دون مقابل، ويجب أن تتلقى الصحافة الدعم، فهي تحمي حق المواطن وتحمي المسؤول من نفسه. هل لنا أن نتخيل ما يمكن أن يفعله صاحب سلطة لا يخضع للرقابة؟
تساءلتِ عبر “تويتر” بخصوص مقال “نساء البرامج” للكاتب عبدالله بن بخيت وقلت: “بودي لو اعرف لماذا حذفت جريدة الرياض اسمي، وابقت اسم الزميلين الشريان وعلي العلياني”؟ لماذا برأيك فعلت الصحيفة ذلك؟
من المؤكد أن الزميل عبدالله بن بخيت كان حريصاً على دعمي من خلال هذا المقال، وخاصة بعد الهجوم عليّ في ثلاثة مقالات لكتاب حاولوا تقديم وجهات نظرهم، ومن الطبيعي أن تنقسم الآراء حول أي برنامج يعرض على الشاشة وأعتقد أنه يمثل حالة صحية جيدة. لا أعرف إن كان هذا قرار شخصي من رئيس التحرير لحذف اسمي، أو أنه عقاب لكل من يخرج من صحيفة الرياض، ولا أنتظر إجابة لذلك. على العموم، صحيفة “الرياض” ليست هي التي تحيي أو تميت إبداعاتي، ولا تهمني فأنا خارج السعودية. لا أعتبر ما حدث تهميشاً وإنما محاولة احتكار سلطة من قبل الصحيفة حول كل ما ينشر، وضرورة أن يتماشى مع هوى إدارة التحرير. وذلك نسف للرسالة الإعلامية، فإذا اعتقدت إدارة تحرير أي صحيفة أنها تملك سلطة مطلقة للتحكم بها فإنها بذلك تتعامل مع الوسائل الإعلامية وكأنها مزارع خاصة.
في حوار سابق أجرته الهتلان بوست مع مدير مجموعة “إم بي سي” علي جابر، قال إن إدارة المجموعة تراهن على نجاح واسع باختيارها لبدرية البشر كإسم كبير في عالم الصحافة والرأي السياسي لتقديم برنامج على شاشتها. هل كنت عند حسن ظن إدارة “إم بي سي”؟ ولماذا اخترت التوجه نحو التلفزيون؟
شخصياً، لا أدري ماذا يجول في رأس القائمين على “إم بي سي” ولكن البرنامج بني على فكرة استثمار اسم في الصحافة المكتوبة وبالتحديد لإمرأة سعودية لتقدم محتوى سعودي بطريقتها الخاصة. الفكرة كانت مغامرة جديدة بالنسبة لي، وقد تم عرضها عليّ في السابق لكن الوقت لم يكن مناسباً، وكنت أعتقد بأن الفكرة لا تناسبني. وعندما عُرضت علي فكرة تقديم برنامج تلفزيوني أسبوعي العام الماضي، شعرت بأن الوقت حان لكي أستخدم وسائل أكثر تأثيراً لإيصال أفكاري لأكبر شريحة من الناس كوني حريصة على الوصول إليهم ومشغولة بهم، لذلك اتجهت نحو التلفزيون. كتبت في الصحافة المطبوعة على مدى 21 عاماً، لكن الشباب اليوم لا يقرأون الكتب أو الصحف المطبوعة كثيراً، وإنما هم متواجدون أكثر في المنصات الرقمية، ويشاهدون المحتوى التلفزيوني عن طريق الإنترنت مثل قناة “يوتيوب” أو مواقع التواصل الاجتماعي. تقول الحكمة الصينية: “إذا جهز الطالب حضر المعلم”، وأنا الآن جاهزة للتلفزيون. يمكنني القول إن ردود الفعل كانت مدهشة وإيجابية وأنا سعيدة بهذه التجربة.
من الذي قدّم بدرية البشر لـ “إم بي سي”؟
“الصياد” كان علي جابر مدير مجموعة “إم بي سي” وقد التقيت به في برنامج ” أرابز غوت تالنت “، والذي جمعه مع زوجي الفنان ناصر القصبي. ومنذ اللقاء الأول، كان علي جابر يرمي بالطعم ويحاول اصطياد موافقتي، لكني كنت غير جاهزة. بعد مرور عام وبعد أن تبلورت الفكرة لدى علي جابر، ألقى بالسنارة مرة أخرى ونجح في اصطيادي.
قلتِ في لقاء تلفزيوني مع برنامج “صباح الخير يا عرب” إن الهدف الأساسي من البرنامج هو خلق “اختلاف” وليس “خلاف”، هل يتقبل المجتمع السعودي في المقام الأول فكرة الاختلاف؟
الخلاف درجة حضارية ولكن الاختلاف درجة حضارية أعلى. للأسف، هناك فكرة نمطية تضعنا دائماً في قوالب تزعم بأن الشعب السعودي لا يتقبل الاختلاف. لكن يتوجب علينا ألا نستسلم لما نحن عليه وألا نكتفي بالقول إن السعوديين شعب “ميؤوس منه” و”أنه صاحب تفكير متعصب”، إلى آخر هذه القوالب، وإنما يلزم دائماً الدفع بالمجتمع للأمام حتى يتقدم.
طرحت موضوع موضوع السماح بالسينما في السعودية عبر برنامجك “بدرية” فهل تنجح محاولاتك في ذلك؟ وهل حان الوقت لحسم هذه المسالة؟
لقد حان الوقت لحسم المسألة منذ زمن. وهذه ليست محاولاتي لوحدي، وإنما محاولات أجيال من السينمائيين لطالما كانت أفلامهم حاضرة في المهرجانات الخليجية وتحصد الجوائز والمراكز المتقدمة، كما أنها محاولات جيل من الشبان والشابات أحبوا السينما وارتادوا صالاتها في كل بلد عربي وخليجي. هؤلاء كلهم هم من يدفع باتجاه هذه الرغبة وأنا واحدة منهم.
أين قلم بدرية البشر من “داعش”؟
في الواقع، بدأت أكره الحديث عن “داعش” وأعتقد أن قوتها بإعلامها. ولو تطرقنا للحديث عنها فإننا نكافئها. عندما ظهرت “داعش”، اعتقدت بأنني يجب أن أكتب عن “الدواعش” لكن تيقنت بأن ما سنكتبه عنهم سيخدمهم وسيروج لهم، فهم يحاولون بث الرعب في قلوب الناس بما يعرضونه من صور لجز الرؤوس.
تم منعك من الدخول إلى الكويت للمشاركة في معرض الكويت الدولي للكتاب وتوقيع كتابك “تزوج سعودية”. كيف تعاملت مع هذا الموقف؟
أولاً، لم توضح أي جهة رسمية سبب منعي دخول الكويت حيث تلقيت دعوة من الناشر لتوقيع الكتاب. ولكن سمعت بأن المنع جاء بسبب رواية “هند والعسر”. وأعتقد أن جماعات إسلامية متطرفة حاولت دس اسمي ضمن قائمة الممنوعين إلا أنها فشلت، حيث تم اكتشاف اللعبة، وتم رفع الحظر عن اسمي بعد عشرة أيام. شعرت بصدمة كبيرة حقيقة إزاء منعي من دخول دولة تتمتع بدرجة عالية من الحرية والتقدم. ولكن وفي الوقت نفسه، سعدت من وقوف الشعب الكويتي من مثقفين وغيرهم إلى صفي، ووصلتني رسائل كثيرة من قرائي يعتذرون فيها عن دولة الكويت ويؤكدون حبهم لي، ولم كن لأعرف بأني أحظى بكل هذا الجمهور في الكويت لولا هذا الموقف.
قلت في لقاء سابق إن المجتمع السعودي له مشاكل خاصة بحكم المحافظة الشديدة، وبعده عن الإعلام، هل يحتم هذا عليك استخدام طريقة خاصة ومختلفة في الطرح؟ وهل تستفزين المشاهد بأسلوبك؟
بالفعل، المجتمع السعودي له ظروف خاصة. لكن طريقة الطرح هي نفسها، فقد أختار طريقة مستفزة أو هادئة يستخدمها غيري من المذيعين في أمريكا أو لبنان أو غير ذلك، وهي بالنهاية مسألة شخصية. ما يناسبني هو الأسلوب الساخر فأنا أحاول أن أجعل المسالة “دمها خفيف” ولا ولا أريد إطلاقاً استفزاز أي أحد. أحاول من خلال أسلوبي طرح قضايا قد تصيب المشاهد بـ”النكد”، ولكن بأسلوب خفيف وساخر.
من الملاحظ كثرة الهجوم عليك في “تويتر”. لماذا تثير “بدرية” حفيظة المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي؟
يبدو أن ملمس “الشوكة” أكثر تأثيراً من ملمس “الوردة”. في موقع “تويتر”، أحصل على ثمان تحايا طيبة وعلى شتيمتين، لكن الناس بطبيعتهم يستهجنون الشتيمة فيركزون عليها أكثر. شخصياً أركز على الثمان تحايا التي تصلني، ودائما أعتبر أن الشتيمة تمثل صاحبها. وأؤمن تماماً بأن الشخص الذي يستخدم الأيدولوجيا لإفراغ التشدد والتطرف، يتميز بطبائع نفسية متطرفة، فيرتدي قناعاً يتشدد فيه ويؤذي الآخرين. ما أطرحه هي آراء تنظر للأمور من زوايا مختلفة حتى يكون الآخر على علم بأن هناك وجهة نظر مختلفة ممكنة وأن هناك أكثر من طريقة صحيحة للنظر للأمور. للأسف، الذهنية العربية والخليجية، والسعودية بالتحديد، يزعجها وجود رأيين، فهي تعودت على أحادية الرأي وتعتقد أنه عندما يستيقظ وعيها على أكثر من طريقة أو رأي فإن ذلك يمثل خطر وتهديد لها.
كنت أول امرأة سعودية وعربية تحصل على جائزة أفضل عمود صحفي لعام 2011 ضمن حفل جوائز الصحافة العربية، ماذا تعني لك هذه الجائزة وهل تحملك مسؤولية أكبر؟
أستطيع تشبيه ذلك اليوم بعربة ذهبية تشبه عربة سندريلا حملتني إلى القصر وحصلت فيها على ليلة سعيدة. حصولي على جائزة في مضمار العمود الصحفي الذي تميز فيه الذكور طوال التاريخ الذي عرفته كان شعور امتياز بالنسبة لي وسعدت بهذا التكريم كثيراً. أما بالنسبة للمسؤولية، فأنا لدي مسؤوليات فائضة وثقيلة والجائزة لم تكن مسؤولية وإنما راحة أو مكافأة لأستعيد ثقتي بأدواتي وأنطلق من جديد.
هل تثور بدرية على عادات وتقاليد المجتمع العربي والسعودي خاصة من خلال رواياتها؟
كل عادات أو تقاليد تحاول أن تصنع أقفاصاً لتحبس فيها البشر تعارض قيمة الحرية والتي تمثل أهم قيمة لدى الانسان. لا أعتبر العادات والتقاليد مقدسة وإنما وجهات نظر أو طرق اخترعها أشخاص أذكياء لخدمة مصالحهم. ولكن تنتهي صلاحية هذه العادات باختلاف الأزمنة والعاقل هو من يطور العادات والتقاليد بحيث تعمل لصالحه وليس ضده وأن يتجاوزها متى لزم الأمر.
هل أنت مكتفية بما حققته إلى الآن من باب نقطة تحسين العيش التي طرحتيها خلال الحوار؟
شخصيا، أعيش الاكتفاء كمرحلة، فشعوري في العشرينيات يختلف عن شعوري في الثلاثينيات والأربعينيات ودائماً الوعي له قشوره فأنا لا أشعر بالاكتفاء طويلاً وأنظر للاكتفاء كدورة حياة مستمرة في التجدد.
يلحظ تشابه جانب من أطروحاتك في أعمالك الروائية مع الكاتبة المصرية الجدلية الدكتورة نوال سعداوي، هل تأثرت بها؟
لا يوجد شك بأن الدكتورة نوال سعداوي لمع نجمها في فترة الثمانينيات والتسعينيات كقلم ينقد واقع المرأة العربية والتسلط عليها من منظور ديني فنقدت الذهنية الريفية. في المجتمعات الإسلامية والشرقية، يتم استخدام الدين في محاولات قمع واضطهاد المرآة وإيهام المجتمع بأن كل محاولات تكميم أفواه النساء وسلب حقوقها تأتي من منطلق إسلامي وهذا غير صحيح. تشابه القضايا التي تتعلق بالمرأة تجعل الكتاب يتشاركون في الحديث عنها في أعمالهم الأدبية كالروايات أو المقالات أو الشعر. تحاول المرأة المثقفة وحتى الرجل فضح عملية قضم حقوق المرأة باسم الدين وتوضيح أن هذه المحاولات ليس لها جذور إسلامية وإنما ناجمة عن فكر متشدد قبلي وذكوري جاهل.
هل لمست تجاوب المجتمع السعودي والعربي تجاه ما تطرحينه من رسائل وأفكار؟
هناك شريحة عريضة تدعمنا من داخل المجتمع السعودي، ولمست الترحيب والحب والتأييد من قبل قرائي وغيرهم وتصلني بشكل مستمر رسائل شكر عبر حسابي في تويتر، وهو ما يدفعني للمضي في رسالتي وعملي. ولكن هناك الكثيرون في مجتمعاتنا ممن يركزون على الجانب السلبي. وتوجد شريحة متطرفة سواء من اليمين أو اليسار تجد منصات صوتها أعلى تنطلق في الفضاء ويعتقد البعض أنها تمثل الشريحة الأكبر، إلا أنها تمثل فئة صغيرة. ما يصل المجتمعات العربية وخارج الحدود السعودية حول عدم تقبل المجتمع السعودي لما أطرحه من أفكار غير صحيح وما يقال عن الهجوم الموجه لي لا يعكس الصورة الحقيقية.