كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
جميلٌ أن تحب الشعوب أوطانها، لكن الأجمل أن تحب الشعوب بعضها،
وقبيحٌ أن تكره الشعوب بعضها، لكن الأقبح أن تكره الشعوب أوطانها.
***
لا أتحدث اليوم عن بلدٍ بعينه، ولكن عن ظاهرة عربية موجودة في عمق المجتمع العربي، لكنها تطفو وتظهر على السطح بشكل أكثر وضوحاً في زمن التوترات السياسية. تلك هي التحسس من النقد حين يأتينا من طرف آخر في حين نسمح لأنفسنا ممارسة جلد الذات بمنتهى القبول… بل والمتعة أحياناً.
فالمُعارض الذي يمارس أبشع أنواع النقد غير العادل ضد وطنه ومجتمعه تنتفخ عنده الوطنية فجأة عندما يسمع أحداً أمامه ينتقد، بمشروعية ومصداقية، خطأً في وطنه أو مجتمعه.
سيقفز أحد المغررين الآن ليقول: هذا هو حب الوطن الحقيقي.
وسأقول: إن هذا هو حب الذات الحقيقي وحب الوطن المزيّف. فهذا الذي يشتم وطنه بالليل ويعمل ضده بالنهار، حاقداً أو مرتزقاً، هو لم يغضب من نقد ذلك الآخر انتصاراً لوطنه، ولكنه انتصار لذاته التي شعر في لحظة النقد لوطنه أنها مشمولة فيه، ولو أمكنه أن يستلّ نفسه من ذلك النقد الشامل لما أزعجه نقد وطنه من لدن الآخر، إذ هو يقول عنه أشد وأنكى من ذلك.
يجب أن تكون لدينا دوماً فطنة تمكّننا من التفريق بين النقد الثقافي الصرف والنقد الثقافي المسيّس. إذ في حين ينطوي الأخير على مضامين براغماتية متقلّبة، فإن الأول يرتكز على أرضية معرفية وقيميّة ثابتة، أو هكذا يجب أن يكون. وإذّاك يصبح من العبث الأيديولوجي أن نبني معايير الوطنية الصادقة والنزيهة على مواقف ثقافية طارئة ومسيّسة.
والذين لا يجيدون التعبير عن حبهم لوطنهم إلا من خلال «فنون الكراهية»… كراهية الشعوب، كراهية الأوطان، بل وكراهية المواطنين الذين اختلفوا معهم، فإنهم أناس لا يمكن الاعتماد عليهم في تقوية الوطن، لأن الأوطان التي تُبنى على الكراهية تصبح هشة أمام أضعف ريح تعصف بها.
الوطن بيتٌ صغير. هل رأينا بيتاً ينمو ويزدهر وهو ملئ بإخوة متباغضين، بنوا أعمدة سقفه وهم يتناطحون بالأخشاب؟!
لم يعد خافياً على أحد أن الذين لا يستطيعون إثبات وطنيتهم إلا من خلال تخوين هذا وتكفير ذاك وتجريم الثالث هم وطنيون مزيّفون، يتعيّشون من الوطن ولا يتعايشون فيه.
الكراهية خُلُق لا يبني إنساناً سوياً… فكيف يبني وطناً قوياً!
لا خيار لنا، كي نقاوم الاحتقان الماثل في أوطاننا الآن، سوى أن نقاوم نشر ثقافة الكراهية، تحت أي ذريعة، الكراهية المزيّفة باسم الدين… باسم الوطن… باسم الحزب… باسم القبيلة، في ما مضى وفي ما هو كائن الآن وفي ما سيأتي.
أوقفوا هذا التراشق بالأوطان، فهي أنصع وأرفع من أن تكون عِصيّاً في أيدي السفهاء.
وامنعوهم من توزيع شهادات الوطنية أو حجبها، وهم لم يقدّموا بعد لوطنهم من الأعمال ما يشفع لهم حيازة هذا الشرف الرفيع.
وقاوموا زارعي الكراهية قبل أن يُثمر زرعهم بُغضاً… وقد أوشك!
المصدر: الحياة