كاتب إماراتي
غداً تُعرض آخر حلقة من برنامج «#لحظة» الذي استمر طيلة أيام هذا الشهر المُبارك. وصلنا للحظة الأخيرة، بعد أن قطعنا شوطاً في اكتشاف آخر مستجدات العلوم والتكنولوجيا، أو بالأحرى في اكتشاف المستقبل. بحثتُ مع فريق عمل رائع طيلة عام كامل، في عشرات المصادر العلمية المُعتبرة، عن الجوانب العلمية لأشياء لم نظن يوماً أن لها تفسيراً علمياً، كالحُب، والتأمّل، والنوم والأحلام، وغيرها.
سألني بعضُ الأصدقاء كيف انتقلتُ من إعداد وتقديم برنامج اجتماعي – يقصدون «ما قل ودل» – تحدثتُ فيه خلال خمس سنوات عن معاني وجوانب تنموية وإنسانية ومجتمعية، إلى الحديث عن العلوم والأعصاب والدماغ والهرمونات والفضاء والذرّة والجسيمات والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات العلمية التي لم أتحدث عنها يوماً! وجوابي أنني جلستُ يوماً أقرأ بعض مقالاتي، وأشاهد بعض حلقاتي القديمة، وقلّبتُ بعض الكتب في مكتبتي المنزلية وتساءلتُ: «هل هناك فائدة مما أقوم به؟ هل استفاد الناس من المقالات والحلقات والكتب؟»، لم أصل لإجابة شافية، وعندما نظرتُ حولي وحاولت أن أفهم ماذا يهم الجيل الجديد، وكيف يمكن للعقل العربي أن يخرج من براثن الصراعات الطائفية والسياسية، ومن تفاهات المظاهر والبذخ والتباهي بالمقتنيات، وجدتُ أن تعليمنا وقراءاتنا التي نتبجّح بها، يصب أغلبها في مصلحة دغدغة الخيال، وملء الحصيلة اللغوية، وتسليحنا بحُجَج جدليّة نُفجّرها في كل نقاش نخوضه في إحدى هذه الموضوعات الثلاثة: الدين، والسياسة، والأدب، وكلها محصورة في الدراسات الاجتماعية! ورغم أهميتها إلا أننا لا نكاد نعرف شيئاً خارج هذه الدائرة الفكرية، وصرنا نفتقر إلى ما يدفعنا للبحث والتفكير والتساؤل والشك، وبالتالي العمل.
فقررتُ أن أبحث في عوالم جديدة، وانكببتُ لسنة كاملة على قراءة مجلات ودوريات علمية لم أسمع بها من قبل، فدخلتُ في عالم جديد، مُعقّد، متشابك، أقرأ موضوعاً ما عن الدماغ – بلغة علمية صِرْفة – فتظهر لي أسماء أجزائه، ولأن المجلة غير موجّهة للبسطاء مثلي؛ فإن الباحث لا يُتعب نفسه في شرح وظيفة «قشرة الفَص الجبهي» مثلاً، فأضطر إلى قضاء ساعات وأحياناً أياماً في القراءة عن هذه المنطقة ووظائفها. وهكذا صرتُ أنتقل من معلومة إلى أخرى، ومن تخصص إلى آخر، وكلما قرأتُ أكثر شعرتُ بضآلتي في هذه الحياة، وبأنني كنتُ جاهلاً وكأني لم أقرأ شيئاً في حياتي.
كان أحد أكبر التحديات في التحضير للبرنامج هو عملية تبسيط المادة للمشاهد، ففي رمضان لا توجد فئة مستهدفة، وكل أفراد الأسرة مستهدَفون لأن الجميع يُشاهد التلفاز. ولذلك كان علينا أن نقدم المعلومة ببساطة لكن بعمق، على ألّا تكون ناقصة، أي كان علينا أن نُرضي العلماء والمختصّين ونجعل المادة مفهومة لدى المشاهد العام في الوقت نفسه، وهنا أتذكر قول أبي حيان التوحيدي عندما سُئِل عن البلاغة، فقال: «هي ما رَضِيَتْهُ الخاصّة وفَهِمَتْهُ العامّة».
ومع وصولنا إلى لحظتنا الأخيرة، أحب أن أشكر كل من كان له دور في إنجاح هذه الفكرة الجديدة، وكل من أرسل رسالة، أو كتب تعليقاً في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بالثناء أو بالنقد، وأدعو الله تعالى أن نراكم في السنة المقبلة، بمادة أغنى وصورة أجمل.
وكل عام وأنتم بخير..
المصدر: الإمارات اليوم